اشتهر حاتم بعدد من الصفات الإنسانية، والخلال الأساسية التي تعطي صورة للمجتمع العربي قديما، ونأمل أن يعود إليها حديثا، وإن كان هو في الذروة منها، من حيث الكرم والجود والنجدة والعفاف ومراعاة حق الجوار، وفكاك الأسير وإيثار الناس على نفسه، وتقديمه صاحبه على خاصته، يمزج القول بالعمل، ويفي إذا وعد ولو كان في الوفاء التضحية بحياته. وكان جوادا يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله مظفر، إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا ضرب بالقداح فاز و إذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه وفى الشهر الأصم رجب الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشرا من الإبل فأطعم الناس.
وكلها كما هو ظاهر أخلاق إنسانية أصيلة تمثل القاسم المشترك بين بين الإنسانية الأصلاء العقلاء، الذين يعون معنى الإنسانية الحقة التي هي معدن الدين العظيم. وأثر عن حاتم صفات إنسانية راقية في حياته وأوصى بها بعد مماته، تعد نموذجا حضاريا وإنسانيا راقيا وإذا تصفحنا ديوان حاتم تصفحا سريعا وجدناه يصف نفسه بصفات راقية باهرة، من عدم خلف رجاء من يرتجي وعدم شتم ابن عمه وعدم احتفائه بكلام الحاسدين، فيقول:
وما من شيمتي شتم ابن عمي وما أنا مخلف من يرتجيني
وكلمة حاسد في غير جرم سمعت فقلت مري فانفذيني
فعابوها علي ولم تسؤني ولم يعرق لها يوما جبيني
أبناؤنا وبناتنا اليوم في حاجة إلى تمثل القيم التي عاش بها الأجداد وساد بها الآباء فنحن أولى بالتحلي بها والنسج على منوالها في عصر العولمة وضياع الهوية واختلاط أنساب الثقافات |
ويصف نفسه بصفات تحتاجها المجتمعات المسلمة قبل أي مجتمعات فهي صفات يزكيها الإسلام ويثني على فاعلها، فيها ملامح الرضا بالقَسْم واليقين بأن المال غاد ورائح وعارية مستردة، وأن الغنى لم يصبه بالبطر والفقر لم يُزْر بحسبه فيقول:
ألم تر أن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر
فما زادنا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
وفي شريحة سريعة من شعره يرصد عددا من الأخلاق الراقية والوصايا الحضارية التي تقيم مجتمعا متعاونا، يعطي كل فضل ظهره، ويدعوهم إلى السير وعدم القرار في البيوت فهو معماة عن الأخبار ملهاة عن الكسب والرزق، مبينا أنه لا يقدم ناقته على غيره لتشرب قبل غيرها من الركائب بقوله:
إذا كنتَ رَبًّا للقَلُوصِ فلا تَدَعْ.. رَفِيقَكَ يَمْشِي خَلْفَها غيرَ راكِبِ
أَنِخْها، فأَرْدِفْهُ، فإنْ حَمَلَتْكُما.. فذاكَ، وإِنْ كان العِقابُ فعاقِبِ
وما أنا بالسَّاعِي بِفَضْلِ زِمامِها.. لِتَشْرَبَ ما في الحَوْضِ قَبْل الرَّكائِبِ
إذا أَوْطَنَ القومُ البُيوتَ وَجَدْتَهُمْ.. عُماةً عن الأخْبارِ خُرْقَ المَكاسِبِ
حفل شعر حاتم بعدد من الأخلاق الإنسانية والقيم العربية التي صارت مضرب المثل والتي جاء الإسلام بعد يؤسس عليها ويبني ويرسخ فوقها ويعلي، وقد يُظن لأول وهلة أن أبرز ما لدى حاتم هو الكرم والعطاء، وهذا واقع لا شك في ذلك ولكن هذا الكرم الذي ارتبط به حتى صار يقال كرم حاتمي هو واحد من منظومة قيمية رائدة، ومجموعة من الأخلاق متشابكة، فالكرم أسها وأصلها، وإليه ترجع معظم الأخلاق، وإطلالة عجلى فضلا عن المتأنية في ديوان حاتم ترينا هذا البحر الزاخر واليم الماخر من قيم الإنسانية، والخلاق الأساسية لدى حاتم.
تجد حاتما يتحدث عن جيرته وصونه لحرماتها بأدق وأرق بيان وذوق، فهو لا يمشي إلى بيت جارته ولا يكشف سرها ولا يتتبع غيبتها فيقول: وما أنا بالماشي إلى بيت جارتي، طروقاً، أحييها كآخر جانبِي
وأبناؤنا وبناتنا اليوم في حاجة إلى تمثل هذه القيم التي عاش بها الأجداد وساد بها الآباء فنحن أولى بالتحلي بها والنسج على منوالها في عصر العولمة وضياع الهوية واختلاط أنساب الثقافات؛ فالعرب هم مخ الإسلام ودماغه وإذا عز العرب عز الإسلام كما قال شيخنا العلامة محمد الغزالي رحمه الله.
أسأل الله لأمتنا عزا ونصرا ولأبنائنا وبناتنا وعيا وسعيا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.