يتساءلُ بعضُكُمْ عنِ السَّامَّ مِنْ العناكبِ؟ في الحقيقةِ الأنواعُ السامةُ للإنسانِ لا يتعدَّى عددُهَا أصابعَ اليدِ الواحِدَةِ، ولا تُقْدِمُ على لَدْغِهِ إلَّا دِفَاعًا عَنِ النفس. أمّا الآنَ فتخيَّلْ معِي حياةً بدونِ عناكِبَ! |
أمَّا عن نفسِي فقدِ التهمَتْ عينايَ أسطرَ هذا المقالِ، ورجعَتْ بِي ذاكرتِي إلى الوراءِ قليلاً.. إلى أيامَ كنتُ طالبًا جامعيًّا في أحدِ المواقِفِ التي لنْ أنساها ما حيِيتُ. إذْ كنتُ مشاركًا في إحدى الزياراتِ الحقليةِ مع طلبةِ العلومِ البيولوجيةِ من بابِ المرحِ والتنزُّهِ وربَّمَا الاستفادةِ، وكان الطلبةُ مجموعاتٍ مجموعاتٍ كُلُّ واحدةٍ متحلِّقَةٍ حولَ أستاذٍ معيَّنٍ بحسبِ تخصُّصِهَا. تَنَاهت إلى سمْعِي ضحكاتٌ خافتةٌ لبعضِ الطلبةِ مِنْ أسلوبِ أحدِ الأساتذةِ فدفعنِي الفضولُ إلى الاقترابِ منهُمْ. كان أستاذَ علمِ حشراتٍ معروفًا بخفةِ ظِلِّهِ، أثناءَ حديثِهِ مع الطلبةِ لاحظ بعينِهِ الثاقبةِ عنكبوتًا تحتَ شجرةٍ فانحنَى والتقطَهُ بكلٍّ رفقٍ، وأخذ يشرحُ للطلبةِ بأسلوبِهِ الممتِعِ الفرقَ بين العناكبِ كمفصلياتِ أرجلٍ وبينَ الحشراتِ (للحشراتِ ثلاثةُ أزواجٍ مِنَ الأرجلِ بينما للعناكبِ أربعةٌ، ويتكونُ جسمُ الحشرةِ مِنْ رأسٍ وصدرٍ وبطنٍ بينما العنكبوتُ مِنْ رأسٍ وبطنٍ فقطْ) وبعدما انتهى أعادَ العنكبوتَ إلى مكانِهِ في عنايةٍ وغطّاهُ بالأوراقِ كما كان حينما التَقَطَهُ، بل وكادَ يعتذِرُ منهُ على الإزعاج.
لمْ آلَفْ هذا التصرُّفَ في مجتمعِنَا الذي اعتادَ المرءُ فيهِ دهْسَ العنكبوتِ إذا وجدَهُ بكلِّ حماسةٍ وكأنَّ في ذلك لذةً ما خفيّة. طريقةُ الأستاذِ في الحِرْصِ على هذا الكائِنِ الحيِّ أخَّاذَةٌ وما زلتُ أذكرُهَا إلى يومِنَا هذا وأُقَدِّرُ بسببِهَا قيمةَ هذه المفصليّاتِ المغطَّاةِ بالشعرِ، وقيمةَ كُلِّ المخلوقاتِ الحيَّةِ وأدركُ أنَّ اللَه لم يخلُقْهَا عبثًا. كثيرٌ مِنَّا لمْ يحظَ بفرصةٍ كهذِهِ لتُغيِّرَ رؤيتَهُ للبيئةِ التي نعيشُ فيها ويعلمَ دورَ كلِّ كائنٍ حيٍّ في هذه المنظومَةِ الحيويةِ المعقّدَةِ. فلربَّمَا يكونُ هذا المقالُ سببًا في تصالُحِنَا مع هذه الكائناتِ وتقديرِنَا لدورِهَا المهمِّ في الحفاظِ على التوازُنِ البيئِيِّ على هذا الكوكَبِ.
قد يتساءلُ بعضُكُمْ ماذا عنِ السَّامَّ مِنْ العناكبِ؟ في الحقيقةِ الأنواعُ السامةُ للإنسانِ لا يتعدَّى عددُهَا أصابعَ اليدِ الواحِدَةِ، ولا تُقْدِمُ على لَدْغِهِ إلَّا دِفَاعًا عَنِ النفس. أمّا الآنَ فتخيَّلْ معِي حياةً بدونِ عناكِبَ! نعمْ ستكونُ حياةً لا تُطَاقُ وأنت غارِقٌ حتَّي الأذنَيْنِ في أطنانِ الحشرات. لذلك إذا رأيتَ يومًا ما عنكبوتًا قد نسَجَ بيتَهُ في حديقتِكَ أوْ قربَ منزلِكَ أو مكانِ عملِكَ ففكِّرْ ماليًا قبلَ أنْ تَدْهَسَهُ بقدمِك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.