مع إطفائها شمعتها الأولى، تكون مدونات الجزيرة قد حققت قفزات بعيدة المدى، ولا أتكلم أبدا باسم فريقها المبدع إن قلت أن ما تحقق من أهداف في عامها الأول، يفوق بكثير ما توقعه الفريق الذي تكون المشروع وانطلق على يديه، بدعم منقطع النظير يصل حد المثالية من إدارات آمنت فعلا بأن عودة التدوين للعالم العربي ليس استعادة للماضي، أو طفرة لواقع متقلب، بل مساحة جديدة فرضَتها أسس الصحافة الإلكترونية الحديثة المواكبة للثورة الرقمية.
لن اتحدث بالأرقام، فالزميل المبدع أنس حسن تحدث عنها في تدوينته أمس، ولكن صراحة ليسمح لي أن اتحدث ربما بصفة المراقب الذي واكب هذا المشروع من بداياته، ولَم يكن ضمن فريقه يوما، أن أقول أن مشروع المدونات وشقيقه مشروع ميدان وما توالد عنهما من مشاريع وأفكار، وما سنراه مما هو قادم وأكثر إبداعا بالتأكيد، هي نتاج عمل مجموعة من الشبان الذين جمعتهم مكونات الإبداع والإيمان بالإنجاز، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
واحدة من أعظم آفات هذا الزمان هي التقليد واستنساخ النجاح الذي لا يحصد أصحابه إلا الفشل، فليس سرا أن التدوين بشكله الجديد لم ينطلق من مدونات الجزيرة، لكن اختيار زاوية الإبداع في المشروع هو الجديد |
أتحدث عن جيل من الشبان تتراوح أعمارهم بين بداية العشرينات ومنتصفها، عملوا في بيئة وظيفية مليئة بالتحديات، لكن شغف المشروع ونجاحه كان الهاجس الوحيد الذي راودهم، وهنا يكمن السر فيما تحقق بعد عام واحد من العمل، وهذا السر هو مقتل غالبية شبان عالمنا العربي الذين تتحول الغالبية العظمى منهم إما لطوابير الموظفين، أو الساعين للتوظيف، وتكون الوظيفة والسعي لها هي أسمى غايتهم، بدلا من أن تكون أول درجات سلم العمل نحو الإنجاز وصناعة المشروع المؤسسي أو الذاتي.
آفة ثانية تجاوزها الفريق المبدع تتمثل في عدم اللطم على مشاريع كان بعضهم جزءاً منها، وحققت نجاحات كبيرة ولا زالت، بل تَرَكُوا تلك المشاريع تعمل بما ارتضته من فرق جديدة، وأسسوا على ما كونوه من خبرات لصناعة المشروع الجديد ليكون استثنائيا لا مجرد ردّة فعل.
وآفة ثالثة تجاوزها هذا الفريق تمثلت في أنه استفاد من فرصة تمكينه من صناعة مشروعه بعيدا عن بيروقراطية المؤسسات الكبرى، فاستفادوا من إيمان إدارات هامة بمشروعهم، فانطلقوا وأسسوا لهذا المشروع بالتعاون مع عدد من كبار الصحفيين الذين كان لهم يوما باع في صناعة مشروع الصحافة الإلكترونية الرائد في العالم العربي، ليدعموا الْيَوْمَ هذا الفريق المبدع ليصنع الجيل الجديد من هذه الصحافة.
أمر أخير، أن واحدة من أعظم آفات هذا الزمان هي التقليد واستنساخ النجاح الذي لا يحصد أصحابه إلا الفشل، فليس سرا أن التدوين بشكله الجديد لم ينطلق من مدونات الجزيرة، لكن اختيار زاوية الإبداع في المشروع هو الجديد، والبناء على اسم الجزيرة الرائدة في العالم العربي عبر تمكين ما يزيد عن ٢٠ ألف مدون من التعبير عن آراء ربما لا تسعها صحافة الجزيرة الرصينة، بل يسعها فضاء التدوين الواسع، لتتكون صورة بكامل ألوان الطيف الاجتماعي والسياسي، ولنشاهد الْيَوْمَ ولادة نجوم وخاصة من الشباب لم يكن لأحد أن يعرفهم لولا مثل هذا المشروع الرائد.
الخلاصة أن فريقا مبدعا، بل فريقا مجددا، من الشبان تمكن من فتح آفاق لا حدود لها لجيل جديد من الكتاب العرب، غالبيته من الشباب، لكن جله ممن لم يجدوا منبرا إلا في مؤسسة كانت دوما منبر من لا منبر له.
اسمحوا لي أن أشكر كصحفي عربي المبدعين أنس حسن، وعبد الله الرشيد، وعمر الحكواتي (المبدع الاستثنائي)، وسلمان البدري، ومن خلفهم عشرات الشبان الذين يعملون معهم على إيقاع إبداع جديد.
ولا أنسى أن أقول أنه لولا توفر بيئة حاضنة للإبداع في مؤسسة كالجزيرة ربما لم يجد هؤلاء الشبان مكانا سوى طوابير الراكدين في الوظيفة أو الباحثين عنها، وبعيدا عن المؤسسة فإن الإنجاز والنجاح يبدأ وينتهي بالإيمان بالنجاح حتى وإن تأخر قطف الثمر حد اليأس أحيانا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.