يتصدر سلوك الشجاعة والإقدام قائمة السلوك الجماهيري عقب نجاح أي ثورة فترى الجماهير أن قيود الخوف قد تكسرت وانتقلوا من مرحلة العبيد إلى مرحلة الملاك فيزداد الانتماء خاصة إذا حققت الثورة انتصارات جزئية وقتها يربط الجميع نفسه بالثورة ويشعر أن الدولة أصبحت ملكه مما يعزز قيمة الإنتماء والغيرة بشكل كبير. كما يعد الطموح من المشاعر الفياضة التي تملأ الجماهير فتتعامل مع الثورة أنها المفتاح السحري الذي سيحقق لهم ما عجزوا عنه قبل ذلك فالدراسة والزواج والمشروع بل والسيارة والفيلا وكل هذه الأمنيات والآحلام تتعامل معها الجماهير أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وعادة ما تربط الجماهير بعد ذلك مقدار الانتماء بمقدار ما يتحقق من أحلام وطموح.
– العجلة:
يلازم الطموح سلوك العجلة فتتسم الجماهير بالاستعجال في المطالبة بتحقيق الإنجازات وما انتظروه عشرات السنين ولم يتحقق شيء منه، يريدون أن يتحقق في شهور معدودة، لذلك يحظر على الثوار من الإفراط في الوعود التي كانوا يرون أن تحقيقها سهل قبل ثورتهم، لأن هذه الوعود مع عجلة الجماهير سيكون السلاح الأول إن لم يكن الأقوى على الإطلاق في يد الثورات المضادة لمحاربة الثورة.
– الحرص:
كما يعد سلوك الحرص من أكثر السلوكيات انتشاراً والمقصود به هنا الحرص على تولي المناصب وتقدم الصفوف، إذ يرى كثير من الجماهير أن هذه الفرصة لن تعوض في احتلال المكانة، إذ في الثورات ليس شرطاً الكفاءة أو المقدرة في تولي زمام الأمور، فيري كثير من الجماهير المهمشة في العهد الذي قامت الثورة عليه أن هذه هي فرصتهم في اقتناص المناصب وتقدم الصفوف، إذ كل المطلوب هو الصوت المرتفع والمقدرة على الظهور الإعلامي والادعاء بالعلم والمعرفة، تكفي هذه الشروط الثلاثة لتكون نجما ثوريا يتقدم الصف السياسي.
من يريد أن يدرك ثورته ويلملم شتات ما بعثرته الأيام والصعوبات أن يدرس السلوك الجماهيري ويراقب تطوره بشكل مستمر، ويتذكر دائماً أن الجماهير هي المرجعية الحقيقية للثورة. |
– الحقد والحسد:
يتبع سلوك الحرص ـ في أغلب الأحيان ـ الحقد والحسد فمن لا يستطيع الحصول على مراده يتحول إلى حاقد وحاسد، وهذا هو المفتاح الثاني في الثورة المضادة وتغذية روح الحقد والحسد على كل من لا يحالفه الحظ في اقتناص منصب أو مكانة في مهاجمة باقي الثوار بشكل دائم، واللعب على وتر أن من يحصل على المنصب لا يمكن أن يتنازل عنه ثانية، وبما أن الجميع حديث عهد بالاستبداد وأدواته، فيرى النقد الدائم ـ هداما كان أو بناء ـ ضمانة لنجاح الثورة، ووقتها يصبح معولاً دون أن يدري في يد من يهدم ثورته.. الحقد والحسد والكره سلوك ينتشر في الثورة بشكل كبير، فالجماهير الثائرة تحقد وتكره من ثارت عليه والمؤيدة له، والجماهير التي وقعت في سهام الثورة تحسد وتكره الثوار وتعمل ليل نهار على الانتقام من الثورة وثوارها.
– الخوف:
كذا الخوف من السلوك المصاحب للجميع سواء من عموم الثوار أو من يتقدمون الصفوف أو حتى عموم الجماهير، أما الثوار فيخافون بشكل دائم من الجميع ويعللون كل السلوك إلى الخوف من الانقلاب على ثورتهم، وأما من تقدم الصفوف فدائماً من يتملكه الخوف ويعمل دائماً بثنائية هل الصواب أن أنجح أم الصواب أن أرضي الجماهير، في الوقت الذي تتلاعب به الثورة المضادة والدولة العميقة التي تمتلك أدوات التأثير الإعلامي، وفي هذه الحالة عادة ما يتم الرضوخ لرغبة الجماهير التي تم تشويهها فيصبح الخوف لمن يتقدم الصفوف لازمة في أدائه، الخوف من الفشل الخوف من الاستبدال، الخوف من انتصار الثورة المضادة، أو الخوف من الفشل، أما استحقاقات الجماهير، أو حتي الخوف من رفقاء الثورة الذين لم يستطيعوا أن يحوزوا مناصب ويهاجمونهم بشكل دائم.
ينتج عن كل هذه السلوك تغير وتبدل في الشخصيات وسلوكها، وحينما تتبدل الشخصيات يصبح الثوار غرباء عن الجماهير الذين حملوهم على الأعناق وكانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل إنجاح الثورة، ويصبح الجماهير مخيبين لآمال الثوار لأنهم لم يتحلوا بالصبر والوعي بطعبية المرحلة والصعوبات والتحديات التي تواجه أي ثورة في بدايتها، ويرون أن الجماهير ضحت بهم ورمتهم في المحرقة. هنا تبدأ الثورة المضادة في حصاد ما زرعته من بذور الفرقة والتناحر وما نتج من تحول في الشخصيات والسلوكيات سواء للثوار أو عموم الجماهير.
نهاية.. من يريد أن يدرك ثورته ويلملم شتات ما بعثرته الأيام والصعوبات أن يدرس السلوك الجماهيري ويراقب تطوره بشكل مستمر، ويتذكر دائماً أن الجماهير هي المرجعية الحقيقية للثورة وهم الجمعية العمومية التي يحتمى بها الثوار دائماً أمام قوة ومنعة الأنظمة الشمولية التي ثاروا عليها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.