إنما العيب فيما تسعى إليه الشهوة الإنسانية الخبيثة الميّالة إلى ما يتعارض مع طبيعتها ومع ماجُبِلت عليه، مُولِدة إنسانا نرجسيا متطبِعا؛ وصل به الأمر إلى تشيئة العلاقات والقيم الإنسانية لتلبية شهواته الزائلة وقضاء مصالحه، غير مبال بحق الإنسانية الذي يشكل جزءًا منها. إن موضوع القيم ذو أهمية كبيرة ثابتة بين الحضارات والثقافات سواء اتصلت أو انفصلت، التي ثبت الاتفاق على وصفها بالمطلقة أو المثالية والمنطقية هي الحق والخير والجمال، ويُجمع تاريخ الفكر البشري على تثبيتها وفق هذه الثلاثية، وهي من فصيل القيم المعنوية التي تمثل غاية الطموح الإنساني في مجتمعه.
مهما فُعل وصُنع وأٌشهِر ستبقى القيم الإنسانية قائمة، حتى لو اختزلت في قلب فرد واحد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فماذا هم فاعلون لترسيخ اللاَقيم؟ وماذا نحن فاعلون لذَود عن إنسانيتنا؟ |
أصبحت القيم في عالمنا اليوم، الذي بات قرية صغيرة بفضل ما وصل إليه الإنسان من عولمة وتطور، تنتفي في حضرته الخصوصية وتُستلب الهوية، إن الحديث عن القيم يهم كل فرد منا ويمسُ بقاء الإنسان الُمُكرم والمنفرد بالعقل عن باقي المخلوقات على وجه البسيطة وهو الخليفة فيها. كما يمس الصراع الكوني المستمر والأزلي حول القيم المعتبرة البناء الشخصي الذي ينشأ في داخل الإنسان من خلال سلوكياته.
أجزم على أن الأحوال تتغير كما أجزم أن القيم والمبادئ لا تتغير مهما وقع وما سيقع فلا مجال للتحجُج بأن الأحوال -الزمان والمكان- مُحدِد في تأسيس قيم جديدة، قيم مرفوضة بالية والترويج لها في منابر متعددة سواء كانت إعلامية مُدجنة ومُنمطة أو مناهج علمية مُعوججة أو بالأحرى هادمة للإنسانية مٌرِسخة اللاقيم والمبادئ المادية، حاملةَ في عمقها ما لا تستطيع أن تحمله كل جبال الكون لا أن يحملها الإنسان العَجول المستهلِك، العجُول لقول المولى عز وجل "وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا"، والمستهلِك أقصد بها في مقامي هذا عموما، كل أمة تستهلك كل ما يقدم لها بعينين مغمضتين وخصوصا الأمة العربية، موجِهة أقواما وأمما بقرارات تُصنع في غياهب لا يعلم لها موطن ويُعلم من يتبناها ويحملها ويدافع عنها، مُتوِجا بها ثقافته مدعيا الحداثة وما هي بحداثة؟
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في هذا الشأن، أن ما يروج في أذهاننا حول الحداثة ليس إلا تعريف للمشروع، وهذا هو الإشكال الخطير، أما تعريف ما هو قائم فيتجلى في التفكيك، أي رد الإنسان إلى ما هو دون الإنسان، أي رد الإنسان إلى الطبيعة والمادة، كما يضيف في معرض آخر قائلا؛ تمّ تفكيك الإنسان تمامًا وتحويله من الإنسان المنفصل عن الطبيعة إلى الإنسان الطبيعي المادي، الذي يتّحد بها ويذوب فيها ويستمد معياريته منها، فيفقد الدّال "إنسان" مدلوله الحقيقي، ويحل الكمّ محلّ الكيف، والثمن محلّ القيمة ولا ينبغي أن يفهم من هذا التصور أنه إنكار للحداثة، وإنما دعوة لرؤية الحاضر دون نسيان الماضي، حتى لا نخلق حاضرا دون ماضي وبالتالي دون مستقبل، إلى هنا انتهى كلام الدكتور عبد الوهاب المسيري.
مهما فُعل وصُنع وأٌشهِر ستبقى القيم الإنسانية قائمة، حتى لو اختزلت في قلب فرد واحد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فماذا هم فاعلون لترسيخ اللاَقيم؟ وماذا نحن فاعلون لذَود عن إنسانيتنا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.