لا سامحكم الله يا أساتذتي.. لأنكم لم تعلمونا أن الغناء بحناجرنا المشروخة في البلاط هي عربون الوطنية. لأنكم لم تدرسونا أنه من لم يرقص فلا وطنية له. |
تأملت وجه والدي الذي باع راحته ونعاسه ليشتري لي مكتبا مريحا والكثير من الكتب والملابس التي تليق بمقام طالبة للدكتوراه، ووجه أمي التي تستيقظ طيلة سبع سنوات متتالية على الساعة السادسة صباحا لتحضر لي إفطارا غنيا بالفيتامينات، تعاملني المسكينة كطفلة وأنا التي كان أقرانها يجرون ثلاثة أو أربع أبناء وراءهم، اشتدت ضيقة قفصي الصدري وغصة بين حلقي والبلعوم وذرفت خفية دمعتين، توجهت لصالة التلفزيون، وجدت الشأن المحلي والدولي يتحدثون عن القنابل الفنية ومعجزات أصواتهم ورقصاتهم الخيالية، وحركاتهم الرياضية، والتي تكون في كنهها ذات إيحاءات جنسية، وحتى المذيعة المسكينة قد لطخت وجهها كلوحة مرسومة بريشة رسام مبتدئ.
سلكت خطى القمر الصناعي المؤدي لقنوات وطني، وفجأة سمعت خبر توسيم فنانة من العيار الثقيل التي اتخذت من دبي مسكنا لها، بعدما تزوجت من رجل كان ذات يوم في أحضان أخرى غيرها. ذرفت بعدها الدمعة الثالثة وتساءلت لماذا المسؤول عني وعن ملفي لم يهنئني ولم يرسل لي وساما؟ قبلني أبي وأهدى لي سلسلة فضية كان يرتديها في معصمه الأيمن، وهي الآن بالنسبة لي أقدس وسام حصلت عليه.
بعد ثلاثة أشهر خرجت من المنزل، بعدما حجزت تذكرة الرحيل إلى دولة أخرى دون أن تعلم أمي، حزمت حقيبتي مملوءة ببعض الصور والكثير من الذكريات العائلية والطعنات التي أهداني إياها وطني، أحرقت كل الكتب وشهادة الدكتوراه والماجستير والليسانس والثانوية، وكل النتائج التي كتب لي فيها يوما ما جميع الأساتذة إنني طالبة نجيبة ومتميزة وأني فخر لهذا الوطن.
كذب علي أساتذتي، ولم يكن القانون الجنائي وجرائم الحرب هما الشغل الشاغل للمجتمع الدولي، فلا سامحكم الله لأنكم لم تعلمونا فن الرقص الراقي، لا سامحكم الله لأنكم لم تعلمونا أن الغناء بحناجرنا المشروخة في البلاط هي عربون الوطنية. لا سامحكم الله لأنكم لم تدرسونا أنه من لم يرقص فلا وطنية له. فيا أستاذي استمع إلى أقصر محاضرة أقدمها لك؛ إن زواج فنانة مغربية بخليجي هي القضية الكبرى، وصفقة نيمار هي الصفقة العظمى.