شعار قسم مدونات

رسالة إلى كل من يريد الموت في غزة!

blogs الموت
رسالة إلى كل من يفكر بالموت في غزة!
لا سلام! ولا قبَل! ولا تحايا! أمَّا بعد…
أنا مثلك متبعة ويائسة وحزينة، وأبكي كل يوم، على أشياء كثيرة لا ذنبَ لي بها، ولا أستمتع بطلوع الشمس، ولا بصوت العصافير، ولا برائحة الفلافل، أنا مثلك فقدت رغبتي بالحياة، والتنفس، والأمل، والكتابة، وأكره أن يسمّيني أحد بطل، أو فخر الأمة، أو رمز الكرامة، أنا مثلك إنسان يشعر أنه يتلاشى ويضمحل من المعادلة البشرية، ويشعر بالدوران من حركة الأرض والكواكب، ولا أمل لي بالحصول على مصباح علاء الدين، ولا كنز الجزيرة المفقود، لكنَّنا هنا! شئنا أو أبينا، لا خيار لنا سوى أن نصحو وأن نتنفس وأن نعيش هذا العذاب جلدةً جلدة، وآهةً آهة، والحمد لله أولا وأخيرًا.

أرجوك يا أخي، صديقي، غريمي، عدوي، أيًا كنتُ ومهما كان لقبك، لا تفكر في الموت بهذهِ الطريقة، لا تفجعنا بك، ولا تحسِّرنا على شبابك وعمرك، لا تقتل الشيء الوحيد الجميل في غزة وهو وجود البشر أمثالك، لا تمنح القتلة عذرًا ليتاجروا بدمك وموتك، لا تهرب من هذا الحياة اللعينة بالموت، فلتبقَ معنا، اكتب لنا كل يوم بوست والعن فيهِ كل شيء ولا تمت، كسّر الصحون والمرايا في بيتك ولا تمت.

لا تتركوا أحدًا بغمه كي تفجَعوا به في ثلاجة الموتى، وصفحة الحوادث، لا تدعوا أحدًا في عزلته كي لا يموت وحيدًا، فيطبل المطبِّلون ويسحج المسحِّجون، ويفتي أهل الفتوى والحل والعقد

اسمع لكل الأغاني المجنونة في العالم ولا تمت، اصرخ بأعلى صوتك ولا تمت، تشاجر مع أصدقائك حول الكلاسيكو، وأفلام الرعب والأكشن ولا تمت، ابحث عن الله، عن أهلك، أصحابك، قطط الجيران، الأزهار الذابلة في الجندي المجهول ولا تمت، أرجوك لا تمت، أصبحنا نخاف من حساباتنا الشخصية ومن قائمة الأصدقاء التي تصبح كشجرة الأشواك المتسلقة، بالأمس ساجد، وبعده معاذ، واليوم مهند، وغدًا؟

لن تغيِّروا شيئًا بموتكم، لن يحزن القادة ولن تتحرك الأحزاب الذينَ لا يراعونَ بحياتنا ولا بموتنا إلا ًَولا ذمة، ولن يرفعَ أحدٌ الحصار عن غزة، ولا تزداد عمل ساعات المحطة، ولن يعطوا للأطفال لقاحات الأمل في الصف الأول، كي لا يكبروا ويصبحوا مثلنا، ولن يفتحوا معبر رفح لغير الموت والسرطان، والفسفور الأبيض.

أرجوكم يا من تقرأون كتابتي تفقَّدوا أصدقاءكم، أحباءكم، معارفكم، لا تتركوهم لحزنهم، تفقدوا حساباتهم الشخصية، أدويتهم، كتاباتهم، لا تتركوا أحدًا منهم ينام حزينًا كي لا تضطروا لكسر باب بيته بعد يومين لأنه ميت في فراشه، لا تتركوا أحدًا بغمه كي تفجَعوا به في ثلاجة الموتى، وصفحة الحوادث، لا تدعوا أحدًا في عزلته كي لا يموت وحيدًا، فيطبل المطبِّلون ويسحج المسحِّجون، ويفتي أهل الفتوى والحل والعقد.

لمن ماتوا.. ذهبتم لمن لا يظلم عنده أحد، سامحكم الله، وغفر لكم. وللبقية، أرجوكم كونوا فقط بخير، ولا تموتوا! هذا النص هو إشارة ضوئية مكسورة، ولافتة معطوبة ومتأخرة جدًا أعلقها لكم في الطريق، ودمعة ساخنة لا أريد أن أذرفها على أحد أصدقائي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.