شعار قسم مدونات

كلنا في حُكْم المغتصِب

مدونات - وسائل النقل

هؤلاء الغلمان المغاربة مدانون بدون شك، لارتكابهم جريمة شنيعة ترفضها الفطرة السليمة. فالفتاة التي وقع عليها إجرام هؤلاء المنحرفين ضحية. وهؤلاء الصبية المراهقون أنفسهم ضحايا. والمجتمع ضحية.

فالفتاة- التي يجب على كل من أراد أن يتحدث عن مأساتها أن يتصورها أختَه أو بنتَه- قد تمت محاولة اغتصابها أو ربما تم اغتصابها في حافلة عمومية وسط العاصمة التجارية للمغرب الدار البيضاء، فهي في جميع الأحوال في حكم المغتصبة مائة مرة، وليس مرة واحدة: مغتصبة لأنها ولية ضعيفة قاومت وفشلت، مغتصبة لأن جميع الروايات تواطأت على أنها ناقصة الأهلية، مغتصبة لأنها استنجدت ولم تجد من ينقدها.. مغتصبة مائة مرة.

والصبية هؤلاء الشرذمة هم كذلك مغتصبون، إذ لا يُتصور أن من ترعرع في حضن والديه ومدرسته ومجتمعه ودولته أن يُقْدم على عمل لا تتنزّه عنه الحيوانات، فهؤلاء أكيد أنهم مغتصبون في شبابهم، في حقهم من الرعاية والثروة والحنان.

هؤلاء الحضور مغتصبون أو في حكم المغتصبين، فالجماعة العربية بنخوتها تأبى الظلم وتدافع تلقائيا عن العرض، وامتناعهم عن التدخل دليل على أنهم مغتصبون في رأيهم مغتصبون في رجولتهم وعاداتهم وكرامتهم وإنسانيتهم

وسائق الحافلة – إن كان وقت الجريمة حاضرا- مغتصب هو الآخر، فعدم اتخاذه لأي إجراء ولو بإيقاف الحافلة والاستغاثة بالمارة دليل على أنه مغتصب في حريته، ربما مرت أمامه أحداث أرهبته إن على مستوى غياب الحماية الأمنية أو التجارب السابقة المؤلمة ونتائجها الكارثية عليه أو على زملائه من السائقين، فرجل لم يحرك ساكنا لإغاثة صبية تصيح على أمتار منه، وفي حافلة هو المسؤول عن سلامة ركابها أمر لا يقبله العقل السليم إلا مقرونا بسوابق مفزعة مرهبة.. فهو بهذا في حكم المغتصب.

ركاب الحافلة -إن كانوا شاهدين على الجريمة- هم كذلك مغتصبون، فكل من رأى شريط هذه الفضيحة التي وقعت في واضح النهار في حافلة عمومية، وعلم أن الصبية لم يشهروا مسدسا ولا سيفا، وأن الصبية أتعبتهم قبل التمكّن منها، وبالتالي كان التدخل غير محفوف بالمخاطر، ورغم كل هذه المعطيات لم يجرؤ أحدهم على إغاثة الصبية وهي تقاوم بكل ما أوتيت من قوة…

 

كل هذه الأدلة تُؤكد أن هؤلاء الحضور مغتصبون أو في حكم المغتصبين، فالجماعة العربية بنخوتها تأبى الظلم وتدافع تلقائيا عن العرض، وامتناعهم عن التدخل دليل على أنهم مغتصبون في رأيهم مغتصبون في رجولتهم وعاداتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، لأن هذه الخصال السابق ذكرها محرك لا إرادي لنصرة المظلوم وإغاثة اللهفان.

ثم نأخذ هذا الحكم ونُسقطه على المارة، فمن خلال الشريط الفاضح لكرامة المغربي، يظهر أن كثيرا من الناس كانوا ينظرون إلى الحافلة المشؤومة- خصوصا إذا علمنا أن جل المغاربة مولعون بالفضول- ولم يأخذ أيهم بزمام المبادرة، بل ربما اقتصروا على مشاهدة فيلم بورنوغرافي مباشر.. وتصرف سلبي يصل إلى هذه الدرجة دليل على وجود خلل عند هذه الثلة من المغاربة، فيكونوا في حكم المغتصبين كذلك.

خلاصة القول إن الصبية ذات الاحتياجات الخاصة مغتصبة، والصبية المراهقون في حكم المغتصبين، والسائق في حكم المغتصب، والركاب في حكم المغتصبين، والمارة في حكم المغتصبين، وهذا يعني أن المجتمع المغربي في حكم المغتصِب.

السؤال: من هم المغتصِبون؟

كان الناس متمسكين بأعرافهم التي في مقدمتها الحياء والمروءة والشهامة، فكان عرض امرأة ما في القرية هو عرض للقرية، ومال رجل ما هو مال للقرية

المغتصبون هم الذين جرّدوا الناس من دينهم، جردوهم من أعرافهم، حرموهم من حقوقهم الأساسية من تعليم وتطبيب ورعاية. جردوهم من دينهم يوم استوردوا لهم ثقافة غربية لا تعير الحياءَ قيمة، منعوهم من تطبيق قيم دينهم يوم أتوهم بتأويل قاصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رأى منكم منكراً فَلْيُغيره بيدِه، فإن لم يستطِع فَبِلسَانِه، فإن لم يَسْتَطِع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان".(مسلم ح 78)، حيث أقنعوهم أن السلطة وحدها تملك حق تغيير المنكر بالقوة، أما الناس فلينكروا ذلك بقلوبهم فقط. ونُسِّينا أن رجالا قُتلوا دفاعا عن مستغيثين، وتناسوا هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد في الجاهلية حلف الفضول لنصرة المظلوم.

جردوهم من أعرافهم وقد كانوا يدا على كل من خالف أعرافهم، حتى قال أبو حامد الغزالي حجة الإسلام "للعادة أشد تحكما في الناس من الدين" أو كما قال. فقد كان الناس متمسكين بأعرافهم التي في مقدمتها الحياء والمروءة والشهامة، فكان عرض امرأة ما في القرية هو عرض للقرية، ومال رجل ما هو مال للقرية.

جنوا عليهم يوم حرموهم من حقوقهم الأساسية من تعليم وتطبيب ورعاية …فكثر الانحراف وانتشرت الرذائل والموبقات والمخدرات والأقراص المُهلوسة والبطالة فظهرت أجيال حاقدة ناقمة لا قيم عندها ولا ضمير لا تخشى العقوبات ولا تبالي باستنكار الناس. فلا الشعب آمن بقيمه وأعرافه ولا هو آمن بالقوانين المدنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.