بعض الوظائف تنتهي بشكل تدريجي، كحالة التقاعد التي يحضر لها صاحبها بشكل تنازلي، أو حالة التحول إلى رائد أو رجل أعمال صاحب عمل حر، خارج إطار الوظيفة. وبعضها قد يأتي فجأة من غير مقدمات أو بمقدمات متسارعة لا تمكن صاحبها من التحضير الجيد لمرحلة الانتقال. وخذ مثالاً بين من يرتب نفسه للانتقال إلى بيت آخر، فيجهز أغراضه ويصنفها ويرتبها، وبين من يباغته الأمر أو يسوفه فيحمل نفسه وأغراضه بلا ترتيب ولا تصنيف، فتتبعثر أمامه وتنغص عليه حياته وبيته الجديد.
أسوأ أنواع الوظائف تلك التي تعطيك مخدراً بالأمان والاستقرار الوظيفي، فلا تعود ذلك المترقب لمستقبل أفضل ولا الباحث عن خبرة جديدة تضيف إلى رصيد شخصيتك ومسارك المهني شيئاً جديداً، وهنا نجد الفرق الحقيقي بين شخص بخبرة 10 سنوات أو شخص بخبرة سنة واحدة مكررة 10 مرات!
عدم قدرتك على القفز يعني عدم استعدادك الجيد له، وهذا يعني أنك بالضرورة لم تبذل الجهد المطلوب في التمارين، أو لم تنته من التمارين بعد. |
شعور التخدير هذا يعفي من مسؤولية التطوير الذاتي والمهني، ويحرم الإنسان من القلق الإيجابي في التحسين الدائم والبحث عن كل ما هو جديد ومفيد. والمخطئ من أفنى زهرة شبابه عملاً في وظيفة تقليدية لا تضيف إلى رصيده كل يوم خبرات وعلاقات جديدة، أو من اتكأ إلى عمل ظنه ثابتاً إلى نهاية عمره، متناسياً كل المتغيرات التي تحل بالأعمال وتقلبها رأساً على عقب!
وبتقديري فإن أي وظيفة لها زمن معين ووقت محدد، ومتى ما تجاوزت هذا الزمن – المرتبط بانتهاء الخبرات أو العلاقات الجديدة أو أي فائدة علمية أو عملية تعود منها- ينتهي معها مفعولها، ويعود الاستمرار فيها خسارة أكثر من الربح المقدر بالراتب آخر الشهر، ويكون القرار الأصوب وقتها القفز للأعلى إلى وظيفة أفضل بخبرات أكبر.
وعملية القفز هذه تحتاج إلى الكثير من التمارين والاستعداد والتحضير لها، من خلال البحث الدائم والمتابعة المستمرة لآخر المستجدات والاتجاهات الحديثة في عملك وتخصصك، والمشاركة في المؤتمرات والأنشطة المرتبطة بها لتوسيع شبكة علاقاتك ومعارفك. وعدم قدرتك على القفز يعني عدم استعدادك الجيد له، وهذا يعني أنك بالضرورة لم تبذل الجهد المطلوب في التمارين، أو لم تنته من التمارين بعد، وتحتاج المزيد من الوقت في عملية التحضير، وربما تحتاج التريث أكثر، خاصة إذا كان الهدف المطلوب عالياً وذا قيمة كبيرة.
المهم أن تجد نفسك دائماً في عملية تمرين مستمرة وتحضير دائم، غير راكن للمخدر الجميل الذي يجعل الراتب آخر الشهر غاية الأحلام وقمة الأهداف. وحتى لا تجد نفسك في يوم من الأيام مرغماً على الخروج المؤلم من غير استعداد نفسي ولا مهني، وحتى لا تلوم نفسك مستقبلاً، علّق هذا السؤال في ذهنك أو علّقه في غرفتك حتى لا تنساه أبداً: ماذا لو طردت اليوم من وظيفتك؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.