بينما يرى أحد المعارضين السوريين أن تقسيم سوريا مستحيل، ويحلم بمشروع وطني يضم جميع السوريين ويعول الكثير أمثال الجربا على التنافس الروسي الأميركي على المنطقة في انهيار كلّ تفاهمات التقسيم والخطط المعدّة له، ويؤكّد أنّ الأمر ليس اتفاقاً بل صراعاً بين هذين القطبين لفرض خرائطهم والتهام أكبر جزء ممكن من الكعكة، ويعوّل كلّ منهما على صبر أنصاره ومقاومتهم للمشاريع المضادة على الأرض.
نقرأ تحليلات كثيرة نتيجةً لتسريباتٍ قد تكون مدسوسة عمداً في وسائل الإعلام لشغل الرأي العام وتخديره، أو نتيجةً لما تعلنه الدول الكبرى لتمرر مشاريعها. |
يذهب آخرون للتعمّق أكثر في استقراء وضع المنطقة وتاريخها، كما كتب الأستاذ ميشيل كيلو في العربي الجديد (4) الذي لا يصدق أن أميركا فاشلة ويحلل الأحداث وفق المصالح الأمريكية الاستراتيجية والاقتصادية؛ المتحكّمة بالسياسة الأميركية بعيدة المدى، والتي تعمل بالتنسيق مع إسرائيل اللاعب الحقيقي في المنطقة؛ الذي ظهر دوره جلياً في المنطقة الجنوبيٍة. وتملك روسيا في الجهة المقابلة احتياطياً كبيراً من النفط والغاز، وتستخدم هذا الاحتياطي مع حلفائها، لتتعامل بعدائية مع العالم والغرب، فتهدّد أوروبا بقطع هذه الموارد كلّ حين، وهذا السبب الحقيقي للخلاف في القرم وأوكرانيا ومنطقة البلطيق وسوريا والعراق.
يجدر الذكر أنّ روسيا استطاعت كسب كلّ من تركيا وبعض دول المنطقة إلى جانب إيران وجزء من المعارضة السوريّة، وجعلهم يقفون جميعاً في الأستانا ضدّ المخطط الأميركي الإسرائيلي الهادف لتفتيت المنطقة ومن ثمّ التهامها. وتأمل روسيا الحفاظ على مصالحها في سوريا مع بقاء الأسد أو نظامه، تذهب أميركا للمماطلة مع حلفائها في القضايا الشائكة في المنطقة، بينما تنتظر مزيداً من الغرق الروسي الإيراني في المستنقع السوري الدامي. كما تتظاهر أميركا أنّها غير مهتمة في بقاء سوريا موحّدة أم مفتتة. إلا أنّ الحقيقة غير ذلك؛ لأنّ حلم إسرائيل يتحقق في المنطقة، وستكون أسعد بالتورّط التركي مع هيئة فتح الشام؛ التي تعارض التدخل التركي في الشمال السوري كضامن من جهة المعارضة في مقابل روسيا وإيران الضامن للنظام.
يقف السوري حائراً أمام تلك الآراء المتضاربة بين من يؤكّد أنّ العدّ العكسي بدأ في سورية مع تدمير «داعش»، وتأمين خروج ومغادرة الميليشيات متعددة الجنسيات، وانخراط الأوروبيين جديٌ في إعادة البناء، وعمليّة سياسيّة آتية تستعد لها الأمم المتحدة. وبين فريق آخر يرى أنّ المرحلة القادمة ستكون أصعب بكثير، فلا استقرار في سورية ما دامت إدارة ترمب تسير بتردد وحذر أمام عنف روسيا وإيران.
تبقى التحليلات على أنواعها نتيجةً لتسريباتٍ قد تكون مدسوسة عمداً في وسائل الإعلام لشغل الرأي العام وتخديره، أو نتيجةً لما تعلنه الدول الكبرى لتمرر مشاريعها، إلا أنّ الحقيقة تكمن فيما يجري خلف الكواليس وفي الاجتماعات السريٍة وهذا ما يصعب الوصول إليه، بانتظار بدء تطبيق تلك التفاهمات على الأرض وحينها ستتبلور الأمور وستظهر الخارطة النهائية للمنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.