وقد انعكس ذلك على بنية هذا العمل ما أدى إلى نوع من التشتت في التركيز على الرؤية والأهداف وهو ما تجلى بصورة أوضح ضمن أطر الحركة النقابية الفلسطينية في الشتات، حيث توزع النقابيون والمهنيون على عدد من البلدان اختلفت في تعاطيها معهم، ففي حين يُمارِس النقابي الفلسطيني دوره كاملاً في بعضها ويخضع لمنظومة الحقوق والواجبات التي تعتمدها التنظيمات النقابية لتلك البلدان يُحرم في بلدان أخرى من حقه في العمل قبل الحديث عن حقه في النضال المطلبي الحقوقي وهي مفارقة يُنتهك فيها المنتهَك؟!
ما يهمنا هنا وأمام هذا الواقع هو أن يكون هناك محاولات جادّة وحقيقية لاجتراح حلول تُمكّن الشرائح النقابية والمهنية الفلسطينية من الاضطلاع بدورها سواء على المستوى الوطني التحرري أو المطلبي الحقوقي، وهي لاشك مسؤولية جسيمة تقع على عاتق كل من له ارتباط بهذا الأمر رسمياً وشعبياً.
اعتبارات وأولويات النضال الوطني التحرري لاشك يجب أن تظل حاضرة وبقوة دون التقليل من أهمية النضال المطلبي الحقوقي حيثما حلّ وارتحل النقابي والمهني الفلسطيني. |
ولعل هذا الواقع يتطلب أولاً الانعتاق من مشهد الانقسام الفلسطيني على المستوى الوطني وصولاً إلى توحيد الأطر النقابية الفلسطينية ضمن بوتقة حركة نقابية موحدة تحترم التعددية وتُرسّخ مبادئ الديمقراطية وتُوسّع قاعدة التمثيل والمشاركة وتعكس صورة المشهد الحقيقي للعمل النقابي الفلسطيني في الداخل والشتات، رغم أن قناعتنا أن لا تنتظر الشرائح النقابية والمهنية الفلسطينية لحظة الوصول إلى حالة التوافق على نظام سياسي موحد يُنهي حالة الانقسام بل عليها أن تُبادر وتُقدم نموذجاً في العمل المدني والأهلي الفلسطيني لا يخضع لسقف السياسي ومتحرّر من الحزبية الضيقة يشكل دافعاً ومحفّزاً ومحرّضاً على الوحدة الوطنية انسجاماً مع الدور المنوط بها كمؤسسات مجتمع مدني.
إن الواقع يفرض حاجة ماسّة لرسم خارطة طريق تعكس ملامح المشهد النقابي الفلسطيني بما يُمكنه من تقديم معالجات ومقاربات ترتقي إلى مستوى التحديات والصعوبات والمعوقات في المستويين الوطني التحرري والمطلبي الحقوقي، ولا ينبغي التأجيل والتسويف والمماطلة في هذا الشأن ولا يُمكن التذرع بأي مبررات فلابد من اختراق ما في هذا المجال لمعالجة الاختلالات في المشهد العام للعمل النقابي الفلسطيني.
بقي القول إن اعتبارات وأولويات النضال الوطني التحرري لاشك يجب أن تظل حاضرة وبقوة دون التقليل من أهمية النضال المطلبي الحقوقي حيثما حلّ وارتحل النقابي والمهني الفلسطيني والأهم أن تنسجم الأهداف والرؤى مع طبيعة الحركة الوطنية الفلسطينية باعتبارها حركة تحرّر وطني لم تصل بعد إلى مفهوم الدولة الناجزة أو حتى السلطة؟!
وبكلمة.. أثبت الحراك المقدسي الأخير نجاعة الفعل الجماهيري الشعبي وقدرته على تحقيق منجزات ملموسة على المستوى الوطني، والأهم أنه أعاد الثقة للعمل المدني والأهلي ما يشجع على تحرك مماثل على الصعيد النقابي الفلسطيني في المستوى الوطني التحرّري والمطلبي الحقوقي، الخطوة الأولى فيه تبدأ بإعادة صياغة منظومة العمل النقابي الفلسطيني على أسس وطنية سليمة وبما ينسجم مع ثوابت المشروع الوطني الفلسطيني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.