"أمنا زهرة" التي تم العثور عليها في منزل بإحدى العمارات التي كانت تشتغل بها كالبواب، قبل أن يكتشفها السكان في حالة استعصى على الأطباء انقادها، بعد معاناتها من التعفنات بأطراف جسدها والتي تعرضت لها منذ فترة طويلة، فقد وجدت مكسورة اليد وبقدم متآكلة بورم خبيث تعتليه ديدان.
لمن الدور الآن أيها القلم، هل لذلك الفلاح الذي سلبت منه أرضه جورا، أم لتلك المرأة الحامل التي ماتت على ظهر الحمير بمرتفعات الريف والأطلس، أم الأمازيغي الطاهر الذي ينتظر في طابور كيلومتري أمام قافلة طبية أجنبية من خلف الأفق سبقت أبناء الدار، أو ربما الدور على طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، التي لا تعرف أين هي أو حتى إن كانت حكومة وسياسة أصلا، فما بالك أن تشكو حالها لوزير الصحة أو مسؤول سامي.
يحكي صديقي الصحفي "علي" بالشبكة الأمريكية للإرسال، يوم صادف مواطنا مغربيا يظهر من لكنته أنه من منطقة الشمال المغربي، أتى يوما إلى مصحة الكلي في مستشفى مدينة "فاس"، قاطعا مئات الكيلومترات لأجل موعد مع الطبيب، ليتفاجأ بأن الموعد المسجل على الورقة يعود إلى 12 أبريل 2018، وليس 2017؟!
شكرا أيها الاغتراب، الذي رمى بالرعايا أمام سيارات الملك، هروبا من ديدان الأورام، أو ربما ديدان أخرى ترتدي ربطات أعناق فاخرة! |
الغلبان مندهشا يرجو الدكتور، أنه قدم من طنجة وحالته تتدهور يوما بعد يوم، فحتى مبلغ تذكرة السفر اقترضه من بقال الحي، ولا يقوى على تحمل الانتظار، قبل أن يجيبه أحد الأطباء، وعيناه منغرستان في هاتفه الذكي:
– سيدي نحن لا نعالج هنا، أذهب للمستعجلات واشك لهم حالك، ولا يهمني من أين أتيت، أنا قلت لك بأن الموعد بعد سنة، انتهى الكلام، يروي "علي".
يتركه مصدوما، ويغادر بوزرته البيضاء التي أقسم قبل أن يرتديها أنه سيعمل جاهدا على تقديم المساعدة وإنقاذ حياة المواطن!
المواطن المسكين يشتكي من آلام حادة ووهن يظهر على محياه، والمستشفى يحكم عليه بموعد بعد سنة. نعم هو حكم بالإعدام بطريقة الموت البطيء! والطبيب لا يقدم له أي توضيح من غير ما هو مكتوب في ورقة الموعد المتآكلة.
فكيف لا أتحدث إلى العالم ولو بالقلم، وبنو جلدتي تأكلهم الديدان فجرا بعد فجر، بالرغم أن صمتا حارا كالزقوم يقتحم كلماتك وإن اخترتها بعناية ويجعلك تكتفي بتأمل الملامح الصدئة.. والابتسامات المرتبكة كأرجل تلتمس المشي فوق سقف مهترئ قد يهوى في أي لحظة.. غير مكتمل، محسوب الثواني. تحس بقهقهات قصيرة العمر، يختلط فيك ومنك يرمي بك في الأماكن الصامتة ويهتدي بك في الغسق لتتوارى عن الأنظار، يستطرد التناهيد منك ويمنعك من قول الحقيقة مكتفيا ببخار عمقك الذي يعانق رذاذ البحار صباح مساء، يستلطف بركان عقلك الذي صار يسبق الزمان فغادرته التفاصيل الفتية، ويحاور النسيان.
هو جلاد عنيف وله في فلسفة صبر المواطن المغربي رأي آخر وألف جواب. بالوطن شكرا أيها الاغتراب، الذي رمى بالرعايا أمام سيارات الملك، هروبا من ديدان الأورام، أو ربما ديدان أخرى ترتدي ربطات أعناق فاخرة!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.