شعار قسم مدونات

من منا ليس فرعون؟

blogs-control
فرعون ذلك الإنسان الطاغية، الذي خيل له أنه إله، يملك حق استعباد البشر، فيقتل من يشاء، يستبيح من خلق الله كيفما يشاء، ويدعي الحكمة والمعرفة، فكان يخاطب قومه قائلا: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ، فاحتكر المعرفة، والحكمة وحجبها عن قومه مستغل القوة التي تمتع بها وجيش الجرار، وتسلط على العباد، وحالة الضعف والخوف التي كان يعيش بها قومه، فلم يجرئ أحد على مخالفة أمره، فأصبحوا بلا رأي "إمعة" وصفهم القرآن الكريم "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ".

      

كانت الطاعة بدون تفكير أهم صفة قوم فرعون، وعندما بعث الله نبيه موسى لم يتردد فرعون بوصف بعثة موسى بالفساد وأنه مصدر لشر، يسعى إلى تغير نهج الحياة السليم القائم، ووصل حد كُفر فرعون أنه قادر على قتل الله، ومع كل آيات الإيمان التي جاء بها موسى، لم يجرئ شخص واحد من قوم فرعون أن يشهر إيمان بحديث موسى، رغم إيمان العديد بالسر، فكان زوجت فرعون وبعض من أقارب فرعون ومن سكن قصر فرعون، ورغم هلاك فرعون لم يذكر القران أن أهل مصر قد اتبعوا دين موسى.

    

يريد الأب من ابنه أن يعامله كما هو عامل أبيه، فإذا قال صُّدق، ولا يخالفه أحد، ويعد الضرب في التربية أساس في فكر معظم شباب العربي، كوسيلة لإثبات أنه صاحب القرار وأنه يملك السلطة

ومنذ هلاك فرعون، ظهر الألاف ممن يشبهون فرعون، تحت مسميات مختلفة، ديكتاتور، ظالم، جبار، سفاح، اختلفت التسميات وبقي الفعل واحد، وتشابهت حال الشعوب في الخضوع والإذلال، إلا أن التطور البشري قاد بعض الشعوب إلى رفض الظلم ولفظه من المجتمع، وفي العصر الحديث وجد أن معظم فراعنة هذا الزمان يحكمون في دول العربية، وتتشابه خطاباتهم مع خطاب فرعون، فعلى سبيل المثال لا الحصر يخرج علينا الزعيم المصري السيسي ويقول "متسمعش من حد تاني غيري!" وأفعال بشار من قتل وتشريد لا يقل عن فعل فرعون، ولكن هل سلوك فرعون يقتصر على الحكام؟ وهل هو حكر في الوطن العربي؟


حقيقة التاريخ تفيد بأن سلوك فرعون هو سلوك فطري نمى مع توفر ظروف المناخ المناسب، وقد ظهر العديد من أشباه فرعون خارج الوطن العربي، ولكن ما يمتاز به الوطن العربي أن المناخ مناسب لجميع موطني الوطن العربي، ويعود ذلك إلى حياة البداوة الفردية القائمة على نوعين من الحياة مختلف في أن واحد، فالحر الشديد في نهار الصحاري إلى البرد القارص في الليل، و العزلة التامة في القبيلة عن باقي البشرية مما  يزيد قوة أواصل الأفراد داخل للقبيلة.

 

مع الحياة البسيطة، التي لا تحتوي على التعقيدات، ولا يوجد بها فرص لتطور الوضع الاقتصادي ساد نظام الأبوي، ولذى يقوم في الأساس على أن الأب في البيت مسؤول عن كل شيء، فهو من يملك المنزل، ويملك الماشية ويملك الأرض الزراعية، وأبناء تعمل عنده من أجل الحفاظ على الثروة المتوفرة والحياة الكريمة، وإذا ما كبر الأبن وأراد أن يتزوج كان إلزاماً على الأب أن يزوجه، ويوفر له مسكن مناسب، بل وتوفير الطعام له ولزوجه وأبنائه، ما دام الأب على قيد الحياة.

     

تمتد الحالة الأبوية في الوطن العربي من حالة الرعوية السائدة على مر العصور، ورغم تطور الدولة الحديثة، إلا أن هذا النظام بقي سائد في معظم أنظمة الحكم، حتى الدول التي تدعي أنها جمهورية ديمقراطية، سكان هذه الدول ما زالت في الأغلب تعيش داخل الأسرة الواحدة على هذا النظام، ويعد النظام الأبوي مناخ مناسب لظهور فرعون، فهو يلغي أهمية باقي أفراد الأسرة، ويعطل العقل، وبرغم التطور العلمي واختلاف مصادر الثروة، وأحياناً يصبح الابن هو معيل الأسرة، إلا أن الفكرة قائمة على أن الأب يبحث عن مصلحة الأسرة وهو صاحب الخبرة الأكبر والمعرفة، يجعل من الأب الاستمرار في لعب دور أنه صاحب الكلمة العليا، وعلى أبنائه الطاعة  مما خلق جيل من الأبناء الحديث لا يملك فكر واضح، ولا يتدخل في أمور الحياة، و يكتفي بالعمل وبناء أسرة جديدة ويبتعد عن كل مناحي الحياة، والخطير في هذا الفكر أنه لم يكتفي في الابتعاد، بل أصبح يمارس نفس السلوك على أبنائه، فهو يريد ابن يعامله كما هو عامل أبيه، فإذا قال صدق، ولا يخالفه أحد، ويعد الضرب في التربية أساس في فكر معظم شباب العربي، كوسيلة لإثبات أنه صاحب القرار وأنه يملك السلطة.

   

إن كل شخص يقبل الذل ممن هم أعلى منه في السلطة، وفي الغالب يمارس نفس السلوك على من دونه

إن الفكر الأبوي المنتشر في الوطن العربي يفتح المجال لكل شخص ليكون فرعون في بيته وعلى أبنائه على الأقل، ومع انتشار هذا الفكر و القبول به وتأثيره الواضح الممتد من داخل الأسرة النواة إلى العائلة، الفخذ، القبيلة، العشيرة، والدولة انتقلت إلى الوظيفة، فتجد رب العمل مستبد و متجبر فيمن يعملون عنده، في الغالب لا يريد موظف أو عامل بقدر ما يبحث عن آلة يحركها وفق فكره وتوجهاته الخاصة، بغض النظر هل هذا في مصلحة العمل أم لا؟، ومع فشل الدولة الحديثة من إخراجنا من نظام الأبوي، تبقى الحقيقة كلنا نحمل صفات فرعون، ولا نتردد في استخدامها متى سنحت الفرصة إلى ذلك، مع اختلاف مقدار تأثير من شخص إلى أخر.

        

إذا أردت أن تعرف كم مقدار صفات الفرعونية التي تحملها راقب نفسك وراقب من حولك، وكن صادق مع نفسك، هل تعترض على فكرة صادرة عن شخص ذا سلطة عليك، وهل تسمح لمن دونك الاعتراض عليك؟، هل تعاقب وتعنف من هو دونك من سلطة حتى لو كان سلطة شكلية مثل أخيك الأصغر بالعمر؟، إذا وبخك شخص يملك سلطة عليك ما، كيف تتصرف هل تدافع عن نفسك وتبرر أم تكتفي بصمت وتُحني رأسك إلى الأسفل؟، إن كل شخص يقبل الذل ممن هم أعلى منه في السلطة، وفي الغالب يمارس نفس السلوك على من دونه، فلماذا لا نسمع صوت سيدنا على بن طالب عندما قال "لا تربوا أبنائكم كما رباكم آباؤكم" راجع سلوكك وابحث عن فرعون في داخلك وحاربه ولا تنقل صفاته إلى أبنائك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.