شعار قسم مدونات

لعنة الجهل

blogs - دمشق دمار
كنتُ وما زلت دائم الكفر باللعنات التي يتكلم عنها البعض، أنه تحلُ بالأشياء والأشخاص والبلدان وغيرها، ففي القدم روت الأساطير، أن أناساً حلت بهم لعنات الآلهة، فتحولوا إلى مسوخ وحيوانات، والبعض صار شيئا من جمادات، وفي الحاضر ما زالت مجتمعات متحضرة تؤمن بذلك، ولكن لا تؤمن بالتحولات الخارقة، وإنما يعتقدون أن يظل الحظ السيئ ملازما للملعونين.
في دين الإسلام هناك لعنات حلت بأقوام، وسبق أن روى ذلك القرآن الكريم في معظم سوره، لعنات تجلت كل صورها "بالعذاب الأليم والمهين" وفي غالب الأحيان يستبدل الله قوما بأقوام آخرين، ومجمل الأسباب هي الكفر بالله والجحود بوجوده ونعمه وظلم الناس للناس.

ولكن واقع اليوم أفرز لنا أشخاصا هم لعنات بعينهم، وأيدولوجيات تحمل سيلا من ذلك في أفكارها التي تتبناها، تأتي تلك اللعنات تارة باسم الله، وتارة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخرى باسم الحريات التي تكفل بها الله للإنسان قبل أن يخلقه.

جاء بشار كلعنة حلت بسوريا، وجاء عفاش كلعنة حلت باليمن، وجاء السيسي كلعنة حلت بمصر، وغيرهم من الذين يمشون على دربهم أحياء ما زالوا أو أموات، هم لعنات حلت بهيئة أشخاص، لعنات كبرت بصمتنا ولن تتلاشى إلا حين تصدح أصواتنا بظلمهم، حين تصدح بتعاويذ الحق ونبذ الظلم والتحرر من العبودية.

تُولد اللعنات مهشمة ضعيفة، وطيف كبير من المجتمع هو من يربيها ويقويها، حتى إذا ما استغلضت عصاها ساد بها الفتك والقتل والدمار، وأقرب من يكتوي بنارها هم أولئك الذين أطعموها في ضعفها.

ليس ذلك فحسب، بل إن هناك أفكار ضلالية وظلامية تتبناها جماعات وأحزاب وكيانات، وهي أخطر اللعنات فتكا، لأنها تحل وتكبر باسم الله، تدعي أنها طوق النجاة لعباد الله، ولكنها في الحقيقة الحالقة الكبرى، ترى الناس ينجرون خلفها كما لو أنها منحة من الله، لا محنة حلت بالأرض والعباد، فتسمع عن جند الله، وأنصار الله، وحزب الله.

قد لا تقف الكارثة هنا بل قد تطول بعض الجماعات المعتدلة في فكرها وأهدافها، حين تتقاعس عن التجديد في فكرها ونهجها وسلم هيكلها التنظيمي، فترضى بالتقادم والتقوقع على النفس وقصر النظر والتمسك بالأدوات التي لا تواكب عصرها وواقعها، فتصبح لعنة كبيرة ينتظر الناس أن تحل بالبلدان، وحين تنفجر تُصبح كارثة كبيرة، لسبب أن لها قاعدة كبيرة، ومنطلقاتها قائمة على أساس عقدي تنظيمي، بل قد تصيبها المغالاة والتشدد فنرى نهايتها كما رأينا تنظيمات أخرى في العراق وسوريا.

قد تحل بالبلدان لعنات من نوع آخر تارة باسم الوطنية، والمظلومية والقومية والعرقية، وتارة باسم النّسل المقدّس والسلالية، وأخرى باسم العولمة والتقدمية والعلمانية، وأخرى باسم المؤمرات والتحالفات والمنظامات والهيئات الأممية.

تُولد اللعنات مهشمة ضعيفة، وطيفاً كبير من المجتمع هو من يربيها ويقويها، حتى إذا ما استغلضت عصاها ساد بها الفتك والقتل والدمار، وأقرب من يكتوي بنارها هم أولئك الذين أطعموها في ضعفها وناصروها. وكل تلك اللعنات جاء بها الجهل فهو أبوها وأمها وسيدها، ولن ترفع عنا تلك اللعنات إلا بأجيال تتعلم، تعرف ما لها وما عليها .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.