اسمح لي أن أجيبك على هذه الأسئلة، وأن أطرح الاختلافات بين الاثنين:
1- محاضرات التيدكس، نحن نعرف أنها مبنيّة في أساسها على تجربة حقيقية، فالشخص الذي يتحدث عن النجاح رغم الصعوبات، هو بالفعل شخص حاول أن يفعل ذلك في واقعه حتى تمكن من تحقيق ما يريد، ثم خرج يخبرنا عمّا حدث معه.
2- محاضرات التنمية البشرية التي تخبرك عن النجاح، قد يكون الشخص الذي يحدثك هو نفسه لم يعاني من أي شيء حتى يصل إلى موقعه الذي يحدثك منه، ويتعامل مع الأمر على أنه وسيلة لتحقيق المال فقط، فهو لم يختبر ذلك النجاح بالمفهوم الذي يذكره.
3- محاضرات التيدكس، لا تطالبك بأن تقلّد المتحدث، لأنه ببساطة يحدثك عن تجربته التي مر بها، فهذا يلعب دورًا تنويريًا في حياتك، أكثر منه يمنحك خطوات لتسير عليها.
4- محاضرات التنمية البشرية تخبرك بخطوات يظنها المتحدث هي اللازمة للنجاح، ويظل يردد على مسامعك أن المشكلة دائمًا في شخصيتك أنت، فأنت الذي يعجز عن النجاح، لا أن الكلام هو الذي لا يناسب الواقع، أو أنّ هناك دائمًا فوارق بين الشخصيات يجب الانتباه إليها.
فتكون النتيجة في الكثير من الأحيان أن الشخص عندما يصطدم بالواقع، يدرك أن المشكلة في ذاته هو بالفعل لا فيمن سحره بالكلمات الوهمية. هل يعني ذلك أنني أختلف تمامًا مع مفهوم التنمية البشرية؟ في الواقع، إجابتي ستكون مختلفة نوعًا ما، لأنني سأطرح منها سؤالًا آخر وهو: ما هو مفهوم التنمية البشرية بالتحديد؟، طوال السنوات الماضية كنت أبحث عمّن يخبرني بمفهوم واضح عن التنمية البشرية، فالمصطلح في ذاته لا يعني شيئًا سيئًا على الإطلاق، فالباحث عن اللفظ في المعاجم أو في الحياة، سيجد أن لفظ التنمية يشير دائمًا إلى تغييرات إيجابية.
علينا أن نضع كل شيءٍ في نصابه الصحيح. فوسط كل هذه الظروف التي نعاني منها، فإننا بحاجة إلى أن نمنح أنفسنا الفرصة لنخلق الأمل للخروج من المعاناة |
إذًا فالخلل هو فيمن يستغل هذا المسمى في الترويج لشيءٍ يريده هو، إمّا لتحقيق مال أو شهرة أو خلافه، لأن اللعب على احتياجات النفس البشرية هو الأكثر ذكاءً في رأيي، فهناك من سوف يستجيب للأمر بلا شك، كونه يبحث عن الأفضل لنفسه في الحياة، ويعتقد أن الحل في الاستماع إلى هؤلاء.
وبالتالي، فأنا لا أتّخذ موقفًا عدائيًا من التحفيز أو الكلمات التشجيعية، بل إنني أرى أنها شيء ضروري جدًا في حياتنا، وأننا جميعًا نحتاج إليها، فقط يجب أن يحدث ذلك في إطار سليم. والدليل على ذلك هو الأثر الإيجابي من محاضرات تيدكس في حياتنا. فقط كل ما أريده هو أن نتخلص من هؤلاء المدّعين أو النصابين، وأن نفسح المجال لنرى إن كانت هناك تجارب حقيقية فعلًا يمكنها أن تلهمنا في الحياة حقًا أو لا.
لذلك أجدني لا أتفق مع كل من يقف ضد أي محاولات تحفيزية، ويصنفها حسب المفهوم الشائع في ذهنه، فنحن لا ندرك هكذا الفارق بين المحاولات المختلفة، وقد نحبط محاولة صادقة دون قصد. فقط علينا أن نغيّر نظرتنا للأمر، وأن نضع كل شيءٍ في نصابه الصحيح. فوسط كل هذه الظروف التي نعاني منها، فإننا بحاجة إلى أن نمنح أنفسنا الفرصة لنخلق الأمل للخروج من المعاناة، وألا نستسلم لليأس وبالتالي التركيز على الأمثلة الناجحة في مجتمعنا، والتحفيز الصادق الذي يمكنه أن يساعدنا في حياتنا.
لأنني أؤمن تمامًا أنّه إن كانت الظروف سيئة، فالإنسان أمامه اختيار من اثنين، إما التسليم للظروف هو أيضًا وألّا يفعل أي شيء أو المواجهة الحقيقية. فإن اخترنا الثاني، فإننا في حاجة إلى من يدعمنا، أو على الأقل نقدم الدعم لأنفسنا من خلال كلماتنا. في اقتباس لرضوى عاشور تقول "ولكنني أكره العدمية، وأكره تيئيس الناس عندما يسقط الإنسان هو شخصيًا في اليأس، فيعلن هكذا بخفة وبساطة أن كل مسعى يلجأ إليه الناس لخلق معنى لحياتهم، ليس سوى أوراق توت!"
ولذلك، يجب أن يكون لدينا القدرة دائمًا على التفرقة بين الحقيقي والمزيف، لا أن نضع كل شيءٍ في نفس الخانة، ولأننا فعلًا بحاجة إلى وجود ملهمين حقيقيين وصادقين في حياتنا، حتى يمكننا أن نواصل رحلتنا في الحياة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.