ما حدث في 14 أغسطس قبل 4 سنوات لم يكُن مذبحةً في حقّ المعتصمين فحسب، وإنما هي مذبحةٌ قيميّة وأخلاقية واجتماعية، تكشّفت عن أنفُسٍ بغيضة، وطائفيّة مقيتة، وتلاعبٌ بالعقول. |
أربعُ سنواتٍ مضت أدركنا من خلالها أن ما تم من توثيقٍ هائلٍ للوقائع من كلّ زواياها وبكل تفاصيلها وأشكالها وتبعاتها، لن يغني عن مراجعةٍ فكريّة محايدة، ومحاولة واقعية لقراءة الأحداث بصورة أكثر شفافية، وسعي حقيقي لتصحيح المسارات واستدراك الأخطاء ومناقشة الاجتهادات السياسية، ومحاولة تحجيم الهوّة الشاسعة التي تفصل المعارضة المناهضة للحكم العسكري – والمتمثلة بشكل كبير في فصائل التيار الإسلامي – عن النهوض مجدداً والقيام بدور حقيقي فاعلٍ في استرداد أهم مطالب الثورة. ولعلّ هذه الأدوار ليست مقصورةً على رؤوس العمل السياسي فحسب، وإنما هي فرضٌ جماعيّ على الثائر الحقّ، والمثقف الحقّ، والإنسان الحقّ في وجهِ كل من تعدّى على حقة في الحياة ومارس سُلطته في سلب أبجديات حقوقه الأساسية من حرّيته وحياةٍ كريمة.
لم تكن مجزرة رابعة العدوية سوى لحظةٍ نموذجية، وصورةٍ شديدة الرمزية والدلالة على نزالٍ غيرِ عادل، بين دولة عسكرية – أو كما وصفها يزيد صايغ في كتابه "دولة فوق الدّولة" – تقاوم محاولة اقتلاعها من جذورها، وبين شعبٍ أعزل خرج منادياً بشرعيّةٍ من شأنها أن تزيح الدّولة العسكرية وتُضعف من قبضتها ونفوذها.. بين أنصار الديموقراطية وأنصار الدبّابة، بين استكمال مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير وبين تحالفات الدولة العميقة والثورة المضادة، لذلك كان الرّد بهذة الطريقة حتمياً وليس مُستغرباً، ليُثمر عن خسائِر جليلة، وسقوط لا نعلم متى سيحقُّ لنا النّهوض منه..
إن ما حدث في الرابع عشر من أغسطس قبل أربع سنوات لم يكُن مذبحةً بحقّ المعتصمين فحسب، وإنما هي مذبحةٌ قيميّة وأخلاقية واجتماعية، تكشّفت عن أنفُسٍ بغيضة، وطائفيّة مقيتة، وتلاعبٌ بالعقول، وغسيـل للأدمغة وتزييفٍ لوعي، وتحريض أعمى، وقدراً كبيراً من الكراهية والسّخط وطأ بقدميهِ كلّ المبادئ والروابط الآدمية، كما تكشّفت عن أمراض اجتماعيّة لطالما تعوّذنا منها، ولم ندرك يومـاً أنها مترسٌّخةٌ بيننا نراها رأي العيـن دون أن نُبصـرها، وعلى مقصلتها تقطّعت روابط كانت يوماً ما وثيقة ..
ستظلّ مجزرة الميدان الذّي سمي باسم العابدة المتصوفة، عاراً يقضّ مضاجع القتلة، وجريمةً لا تسقُط بالتّقادم، وندباً غائراً في أرواحنا، وسؤالاً لا إجابة له، وثقلاً يجرّ النفس خلفه بلا أدنى قدرةٍ على التحرر من صُور المكان والزمان، لكننا أمام ذلك كلّة نواصِل المقاومة، بكل ضعفنا وشتاتنا وقلّة حيلتنا، كي لا تستحيل ذكرى رابعة إلى مناسبةٍ كربلائيّة بكائيةٍ باهتة، لا تُرجع حقاً، ولا تنصُر مظلوماً، ولا تفكّ قيداً، ولا تُعيدُ مهجّراً، ولا تفتحُ أبواب زنزانة، ولا تُنير سبيلاً للحرّية، ولا تستردُّ وطناً مسلُوباً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.