شعار قسم مدونات

ليلة اقتلعت شجرتي من باكستان وزرعتها في قطر

blogs - أحمد زيدان
من الصعب أن يكتب صحافي عن نفسه وهو الذي اعتاد منذ نعومة مقالاته أن يكتب عن الآخر.. فثقافة نشر غسيل الكاتب غائبة عندنا، ما دامت الغيبة والنميمة ونشر غسيل الآخر هي بضاعة الكاتب والصحافي في كثير من الأحيان؟! كسرت مدونات الجزيرة المحرمات وما أكثر المحرمات التي كسرتها شبكة الجزيرة منذ مسيرتها عام 1996، فكانت ثورة بحق في عالم الفكر والرأي.. عرفتنا على أنفسنا قبل أن تعرفنا على الآخرين.. تماماً كما تفعله المدونات اليوم، إذ إنها المرة الأولى ربما أن تضع مؤسسات إعلامية كتابها ومثقفيها أمام المشرحة الجماهيرية.. فنحن في عالم من زجاج نراهم ويروننا.. وإن كنا نقذفهم بالحجارة؛ فبمقدورهم اليوم قذفنا وبسهولة وتهشيم زجاجنا.. فنمَت بذلك وترعرت ثقافة الرأي والرأي الآخر.. وثقافة بُعد الكاتب والصحافي عن الجمهور، حين كان ينتقده ويوجهه ويتعالم عليه، دون أن يعرف خبيئته أحد.

لماذا هذه المقدمة! لا أعرف! ربما فقط من أجل أن نبرر ما سنكتبه لاحقاً، وربما لأنه لا كاتب أو صحافي تحديداً يود أن يكتب عن نفسه.. فالذكريات التي كتبها بعضهم من الأيام لطه حسين، إلى أنا لتوفيق الحكيم، ومذكرات السياسيين، لم تُدون إلاّ في خريف أعمارهم، بعضها نشر في خريف الخريف، وبعضها الآخر نشر بعد الخريف كما أوصى أصحابها.

أتذكر ذلك كله وأنا أكتب عن مفصل مهم من حياتي، يوم اتخذت قراراً بمغادرة بلد احتضنني لثلاثة عقود تقريباً، فدرست فيه وبدأت منه مهنتي الصحافية، واليوم سأغادره إلى الدوحة حيث مركز الجزيرة.. قرارٌ صعب للغاية.. صعب مهنياً في أن تغادر مكتباً اعتدت على العمل فيه واعتدت على بلده وعلى مصادر أخباره وعلى كل شيء، فغدا العمل فيه معروفاً لديك من صياح الديك إلى صياحه.. وتغادر إلى بيئة جديدة، هذا فضلاً عن مشاركة كل أفراد العائلة في القرار.. فالعائلة حين تكبر لا يكون لصاحبها في اتخاذ القرار إلاً النسبة الضئيلة مقارنة بنسب الزوجة والأولاد.

للقصة بقية... برنامج فريد من نوعه في عالم التلفزيون العربي، يضم فيلماً وحواراً.. تحديات يومية في اختيار فيلم يبحث في قضية إشكالية وترتيب ضيوف ومفاجآت، ولكن هذه هي الجزيرة، للتحدي عنوان.
للقصة بقية… برنامج فريد من نوعه في عالم التلفزيون العربي، يضم فيلماً وحواراً.. تحديات يومية في اختيار فيلم يبحث في قضية إشكالية وترتيب ضيوف ومفاجآت، ولكن هذه هي الجزيرة، للتحدي عنوان.

كان قراراً صعباً للغاية فهو أشبه ما يكون بقلع شجرة مهنية وشخصية وعائلية عمرها ثلاثة عقود ومحاولة استنباتها في منطقة بعيدة وجديدة عليك، ولكن ما عليك إلا أن تتخذ القرار.. فهذه الحياة جُبلت على التغيير والتبدل وليس على الاستقرار والثبات، وإلا لكانت الحياة أشبه ما تكون بالمقابر أكثر الأماكن استقراراً وثباتاً، اتخذته واتجهت إلى الدوحة تاركاً خلفي تاريخاً مهنياً أفتخر فيه؛ فمن توفيق الله تبارك وتعالى أن تكون في المكان والزمان الصحيحين، وهو ما توفر لي إذ كنت شاهداً على أحداث هزت وشكلت العالم كله منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان إلى التفجيرات النووية الهندية ـ الباكستانية، ثم إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول، وبينهما انقلابات عسكرية وكوارث طبيعية وغيرها كثير.

بدأت أتلمس حياتي المهنية في الدوحة، فحين فكرت بالعمل في مركز الجزيرة للدراسات استغرب أحد أصدقائي قائلاً لي إن مراكز الدراسات ليست لك كصحافي، فهذه المراكز ربما تلجأ للعمل فيها حين تتقاعد من عملك الصحافي، أما الآن فلا يزال أمامك فسحة لتقديم الكثير للقناة، فاتخذت قراراً بالانضمام إلى قسم البرامج بدعم من مدير القناة الصديق الصدوق ياسر أبو هلالة، وكذلك من قبل مدير البرامج الأخ والزميل والمدير إبراهيم حمدان.

دوامي في البرامج خلال الأيام الأولى كان كمن يأتي إلى مؤسسة جديدة وليس موظفاً فيها منذ سنوات، كما هو حالي، ففرق كبير أن تكون مراسلاً تأتي إلى القناة كل شهر أو شهرين أو سنة مرة واحدة، وبينك اليوم وأنت جزء من الدوام الرسمي للمؤسسة، لكن تغلبت على كل الصعاب، فكان مدير البرامج خير أخ وزميل، وكان جو الجزيرة في البرامج خير أنيس، عوضوني عن كثير مما افتقدته في باكستان ومكتبها العامر، وما هي إلا أسابيع حتى تم تكليفي بالإشراف على برنامج "للقصة بقية" مع زميلي وصديقي ماهر الملاخ، وفريق عمل متألق مكون من المذيعة الرائعة الأخت العزيزة فيروز زياني، ومعها المخرج المتميز وائل الزعبي، ومنتج الغاليري عبد الرحمن الشريف، والأخ ناسك لحاج، والزميل أحمد طرفايا عن التواصل الاجتماعي.

لا بد من الإشارة إلى أن برنامج للقصة بقية فريد من نوعه في عالم التلفزيون العربي، إذ إنه يضم فيلماً وحواراً عن الفيلم.. تحديات أسبوعية بل يومية أمامنا في اختيار فيلم يبحث في قضية إشكالية وترتيب ضيوف ومفاجآت من هنا وهناك، ولكن هذه هي الجزيرة، للتحدي عنوان، وبدعم الإدارة كان لهذا البرنامج تميزه، واليوم إن سئلت فيما إذا كانت شجرتي التي اقتلعتها من باكستان والتي عمرها ثلاثة عقود قد نجحت بالاستنبات في قطر، فأقول لكم انظروا إلى برنامج للقصة بقية.. ولا نامت أعين المترددين والخائفين من المغامرات.