شعار قسم مدونات

​​الأقصى ليس فلسطينيا

blogs - فلسطين

بات من الطبيعي في الآونه الأخيرة بعد كل هبة أو حرب يشنها الكيان الصهيوني أن نسمع بعض الأصوات النشاز التي ترمي بشباك الاتهام للفلسطينيين تارة، أو أن تتنصل من الذي يحدث تارة أخرى بحجج كثيرة، من بينها: أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، أو أن لديهم ما يكفي من المشاكل. وأخيراً، اتهام الشعب الفلسطيني بالإرهاب وإثارة الفتن والتدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية.

لكي نفهم الانحدار الذي وصل إليه البعض في الوطن العربي والإسلامي لا بد أن نفهم السياق التاريخي لقيام دولة إسرائيل إلى يومنا هذا. إن أي مشروع ناجح لابد أن يكون قد خُطط له بشكل بارع وعلينا أن نعترف أن الحركة الصهيونية استطاعت أن ترسم خريطة طريق تمكنت من خلالها امتصاص غضب الشعوب العربية والإسلامية منذ قيام هذا الكيان المسخ قبل 69 عام إلى يومنا هذا. إن من المنطقي والطبيعي أن يواجهه قيام دولة إسرائيل بالمعارضة والمقاومة من جمع الشعوب العربية والإسلامية؛ لأسباب عديدة أقلها المسجد الأقصى. ولأن موقع فلسطين في وسط هذا العالم العربي والإسلامي فإن احتلال فلسطين وإعلان دولة يهودية فيه سيكون أشبه بنبش عش دبابير.

العالم العربي والإسلامي أعلن مقاومته الفورية للاحتلال الصهيوني لفلسطين إلا أن هذا الرفض تم ترويضه من قبل الأنظمة الوظيفية التي قامت أصلاً ضمن مبدأ المنفعة المتبادلة

كانت الحركة الصهيونية تعلم أنه من الصعب على هذه الدولة الفتية مواجهة هذا الغضب الإسلامي عامة والعربي خاصة. فكان الحل الأمثل تطبيق نظرية فرق تسد. هذه النظرية قامت على تقسيم الوطن الإسلامي إلى دويلات، وكان من الضروري خلق أنظمة وظيفية تحافظ على أمن إسرائيل مقابل بقاء هذه الأنظمة.

بعد أن تم تقسيم وإنشاء الدول العربية استطاعت الحركة الصهيونية أن ترسم صورة ستصبح لاحقا أكثر وضوحا بإعلان أن عدوها مجموعة معينة من السكان لاحقاً تم تسميتهم بالفلسطينيين. إن إنشاء هذه الدولة أو التقسيم قبل أن يتم إعلان دولة اسرائيل كان رسالة للعالم الإسلامي والعربي أنها احتلت جزء من دولة جارة التي هي فلسطين وليس ذلك الجزء الذي لا يتجزأ من العالم العربي والإسلامي الذي يحوي أولى القبلتين. أي أنه لو تم إعلان دولة إسرائيل قبل أن يتم تقسيم الوطن العربي كان سينظر العالم العربي إلى هذه الدولة كمحتل انتزع جزء منها. بل إن الصورة ستبقى في قلب كل عربي أن هناك أرض عربية تم سرقتها ويجب إعادتها.

كان من الصعب أن نرى نتائج هذه التقسيمات سريعاً لأن العقل العربي والإسلامي لم يكن اعتاد بعد على الترسمات الجديدة التي أقرتها دول الاستعمار، بل إن العالم العربي والإسلامي أعلن مقاومته الفورية للاحتلال الصهيوني لفلسطين إلا أن هذا الرفض تم ترويضه من قبل الأنظمة الوظيفية التي قامت أصلاً ضمن مبدأ المنفعة المتبادلة التي تضمن بقاءها في سدة الحكم. فتم امتصاص هذا النهر من المشاعر الجياشة بمسرحيات مفضوحة كالذي حدث عامي 1948 و1967.

اليوم بعد مرور أكثر من 69 عام على احتلال فلسطين أصبحت القضية الفلسطينية فعلاً قضية تخص الفلسطيني فقط، أو ربما الفلسطيني الذي يسكن مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. إن اللامبالاة التي نراها من الشعوب العربية ما هي إلا نتاج التقسيم الذي قامت به الدول الاستعمارية قبل أكثر من 80 عام. هذا التقسيم استطاع أن يقنع هذه الشعوب أن فلسطين قضية تخص الفلسطيني فقط. وازداد الأمر سوءاً عندما قامت بعض الأنظمة بشيطنة الفلسطينيين وربط الإرهاب بالشعب الفلسطيني، لتتحول بعض هذه الشعوب من اللامبالاة إلى عداوة الفلسطينيين.

إن فلسطين ضاعت عندما تم تقسيم الدول العربية والإسلامية. ضاعت عندما استطاع الاستعمار إقناع هذه الشعوب بأن خطوط وهمية على الخارطة باستطاعتها أن تمنحها وطنية مستقلة. استطاعت هذه الخطوط أن تقنع الشعوب بأولوية أوطانهم على حساب فلسطين والأقصى.

باختصار، لا يجب أن نلوم الأصوات النائمة التي لا تبالي بالذي يحدث حاليا بالأقصى، بل علينا أن نلوم أنفسنا حين جعلنا قضية احتلال فلسطين قضية فلسطينية، ونعتها بذلك بدلاً من أن تكون القضية العربية أو القضية الإسلامية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.