فهذه الآثار تتجاوز بطرق يسلم بها المختلفون وغيرهم ألا وهي التجنيد؛ تجنيد الأسر والمؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية، وذلك بتقوية الدعائم الأخلاقية لدى الفرد، فحاجة الانسان إلى الأخلاق تكاد تعادل حاجته إلى الأكل والشرب، والجانب القيمي منه هو أساس تثبيت فكرة الائتلاف؛ وذلك باعتباره تجاوز للاختلافات وتدبير لها بطريقة علمية فكرية وحضارية، ليساهم ذلك في تنمية مبدأ تقبل الآراء وقبل ذلك صناعة الرأي السليم المستند إلى أسس متينة تضمن له الصمود وسط غيره من الآراء، وكذا التوعية بأهمية تدبير الاختلاف وعدم الوقوف عليه باعتباره فكرة وتصورا فقط، بل تحديد الروابط بين المختلفين وآراءهم وذلك بتكوين نسق مركب يبرز الخلفيات التي بنيت عليها هذه الآراء، وبه يعمل العقل والفكر.
أظن أن ذكر حقيقة أن الاختلاف طبيعة كونية دليل كاف لإثبات أن لا شر فيه إلا عدم العلم بخيره، فالكواكب المسيرة في الكون لا تدور في أفلاك بعضها البعض، فكيف بأناس بين التسيير والتخيير أن يلزمهم نفس الفلك، وإنه لمن العبث التفكير في جمع الناس على رأي واحد باختلافاتهم الفطرية. |
ويرجع الإنسان إلى الأساس وهو تربية النفس على أن الاختلاف طبيعة بشرية لا يمكن تجاوزها ولكن يسهل تدبيرها ليصبح بذلك الاختلاف تنوعا ورحمة، ويصير تدبير الاختلاف مبدأ تربويا يختصر المحاولات المتكررة في اصلاح ما يفسده التعصب ونبذ الاختلاف وتدعيم فكرة الاعتراف بالخطأ وتقبل الرأي الآخر كيفما كان، وكذا الحوار البناء القائم على مناقشة أفكار لا أشخاص وأشياء؛ فالطبيعة البشرية تقتضي الاختلاف ، واجتماع الأخوين على نفس الآراء أمر مستحيل، فما بالك بأشخاص من بيئات مختلفة وبخلفيات وأولويات دينية وعلمية وثقافية واجتماعية مختلفة، فالاختلاف في أصله لا يفسد للود قضية ، لكن بمجرد ربطه بغير الفكرة وتدخل العوامل الشخصية والتمثلات الفردي، فذلك تعلق بغير الأفكار، وبحد ذاته يفسد الود والقضية، والتوجه لمناقشة الأفكار فقط يساعد على اتخاذ القرار بالالتزام أو التخلي عن الرأي حسب ما يدعمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.