شعار قسم مدونات

السعودية والإمارات تتنازعان النفوذ في اليمن

blogs - السعودية والإمارات
رغم أن اليمن تُعد حديقة خلفية ومنطقة حصرية للنفوذ السعودي، منذ قيام الدولة السعودية الثالثة وحتى يومنا هذا، إلا أن دولة الإمارات عمدت إلى ترسيخ نفوذها في اليمن منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، وتسلك سياسات الهدف منها تمديد نفوذها وتحجيم النفوذ السعودي، مثل دعمها لمكونات وفصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، ودعم تيارات دينية صوفية تناصبها السلفية الوهابية العداء، بالإضافة إلى استهدافها لأبرز حلفاء السعودية في اليمن، خاصة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحزب الإصلاح.
بدأت دولة الإمارات تعزيز نفوذها في جنوب اليمن بواسطة بعض ما يمكن وصفه بـ"المكونات الهشة"، المتناقضة أيديولوجيًا، ونفخت فيها الروح من خلال إنشاء وتدريب وتسليح مجموعات عسكرية بخلفيات مناطقية تابعة لها، وأصبح لديها سجون خاصة تمارس فيها شتى أنواع التعذيب ضد المعتقلين.. كما تسعى لتكرار ذات التجربة في بعض المحافظات الشمالية، بدءًا من محافظة تعز، وفقًا لتقارير إعلامية أفادت بأن دولة الإمارات قدمت دعمًا بالمال والعتاد العسكري لـ"أبو العباس" وجماعته التي تفرض نفوذها في أجزاء من مدينة تعز، لتصنع منه "هاني بن بريك" آخر هناك.

– نفوذ بمكونات هشة:
بدأت الإمارات بإنشاء وتدريب وتسليح مكونات انفصالية بخلفيات قبلية وأيديولوجية متباينة في جنوب اليمن، وحرصت على التحالف مع مكونات لم يسبق لها أن تحالفت مع السعودية، وغلفت تحركاتها باسم الحرب على الإرهاب، وتحجيم دور حزب الإصلاح، لكنها موجهة في الأساس ضد السعودية وحلفائها، بما فيهم الرئيس عبد ربه منصور هادي.

شعارات الديمقراطية والمدنية ومحاربة الإرهاب والنفوذ الفارسي في العالم العربي، التي يرفعها حزب الإصلاح وأحزاب إسلامية أخرى في العالم العربي، تثير مخاوف الإمارات من انتقال عدوى الديمقراطية إليها.

تعمدت الإمارات التحالف مع مكونات هشة ومتباينة أيديولوجيًا، ذلك لأن المكونات الهشة من السهل توظيفها للعمل من أجل طرف خارجي، كونها مكونات بلا مشروع وطني حقيقي، وتبحث عن مصالح ذاتية، بدليل تناقضها الأيديولوجي، وتباين خلفياتها الاجتماعية والقبلية، فبعض هذه المكونات يقودها بقايا الماركسيين في الجنوب، مثل عيدرس الزبيدي، والبعض يقودها دعاة أصوليون متشددون، مثل هاني بن بريك، والبعض عبارة عن مكونات قبلية محافظة وغير مؤدلجة، مثل بعض قيادات ما يسمى بـ"قوات النخبة الحضرمية".

نجحت الإمارات في جمع هذا الخليط المتناقض حولها، كون قادة الدولة في أبوظبي يجمعون بين القبلية والعلمانية، مما سمح لها التحرك بمرونة بين مختلف المكونات في الجنوب، ودعمها عسكريًا وماديًا، بغرض صناعة نفوذ تزاحم به السعودية في حديقتها الخلفية، وتتخذ منه وسيلة لأي ترتيبات تتعلق بمرحلة ما بعد الانقلاب، لتضمن مصالحها المتمثلة في تهميش دور حزب الإصلاح، ومحاولة إقصائه من العمل السياسي نهائيًا، والحفاظ على بقاء ميناء عدن في حالة يرثى لها، حتى لا ينهض وينافس ميناء دبي، والحيلولة دون بناء اليمن الاتحادي، لأسباب سيأتي ذكرها.

– ميناء عدن:
يشكل ميناء عدن وأهميته الإستراتيجية محور الدوافع الإماراتية لتعزيز نفوذها في جنوب اليمن، بغرض الحفاظ على الميناء في وضع يجعله غير قادر على النهوض واستعادة مكانته التاريخية إبان الاحتلال البريطاني له، حتى لا ينتعش اقتصاديًا، ويؤثر على ميناء دبي، الذي أكسب الإمارات مكانة عالمية، وجعل من مدينة دبي مدينة عالمية وجذابة لرجال المال والأعمال والشركات المختلفة، ومركز تجاري إقليمي، ذلك لأن انتعاش ميناء عدن، وموقعه الإستراتيجي على طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب، سيُفقد ميناء دبي أهميته، وذلك لافتقاده لميزة "الموقع الإستراتيجي" التي يكتسبها ميناء عدن، بسبب موقعه البعيد نسبيًا عن طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب.

– الخوف من الفيدرالية:
أحيت الإمارات النزعة الانفصالية في الجنوب، بسبب مخاوفها من نظام الأقاليم الفيدرالية، ذلك لأن الفيدرالية إن ترسخت ولم تواجه أي إشكاليات، فإنها ستمثل دافعًا لمختلف الأقاليم للمنافسة الاقتصادية، وكل إقليم سيعمل على استثمار كل مميزاته الاقتصادية لتحقيق النحاح المطلوب، ولهذا، فالمخاوف الإماراتية من نجاح النظام الفيدرالي في اليمن نابعة من تجربتها مع هذا النظام، لأنه دفع كل إمارة إلى استغلال مميزاتها الاقتصادية كاملة بغرض المنافسة مع الإمارات الأخرى، ويعني كل ذلك أن الإمارات تخشى أن يسعى إقليم عدن إلى استغلال الموقع الإستراتيجي لمينائه، في إطار منافسته الاقتصادية مع الأقاليم الأخرى، خاصة أن إقليم عدن ليس لديه أي مميزات اقتصادية تؤهله للمنافسة سوى الميناء، وهو ما يثير رعب الإمارات، وخشيتها من أن يؤثر انتعاش ميناء عدن على ميناء دبي.

– التحالف مع المخلوع:
كان المخلوع علي عبدالله صالح بمثابة الحارس الأمين للمصالح الإماراتية في اليمن، والمتمثلة في تهميش ميناء عدن وإهماله، حتى لا يؤثر على أهمية ميناء دبي، لدرجة أنه تم تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي، من قبل المخلوع علي صالح، بثمن بخس، وصفه مراقبون بأنه لا يساوي ثمن إيجار شقة سكنية في دبي.. ومن هذا المنطلق، يرى مراقبون بأن الإمارات أحيت النزعة الانفصالية في الجنوب، ودعمت كيانات انفصالية، بغرض استخدامها كورقة ضغط على السعودية في ترتيبات نقل السلطة أو الحل السياسي في اليمن، حتى تضمن مصالحها.

وتفيد تسريبات إعلامية بأن الإمارات بدأت العمل من أجل حل سياسي يتم بموجبه تعيين أحمد علي صالح (نجل الرئيس المخلوع علي صالح) رئيسًا توافقيًا لليمن، وإذا فشل هذا المشروع، فإن الإمارات ستدعم انفصال جنوب اليمن، بعد أن تكون قد رسخت نفوذها السياسي والعسكري فيه، وتنصيب أطراف في السلطة تضمن رعاية المصالح الإماراتية، وعرقلة بناء اليمن الاتحادي، وترك اليمن الشمالي يغرق في أزماته، ودعم مكونات هشة حتى تقوى وتثير الفوضى، بما يخدم أهداف الإمارات وبشكل ينهك السعودية وحلفائها الأقوياء في اليمن.

قطر -من خلال مبادرتها لحل أزمة صعدة- الغرض منه ترسيخ قطر نفوذها في الحديقة الخلفية للسعودية. والسؤال هنا: هل ستنشب أزمة بين السعودية والإمارات بسبب محاولة الإمارات ترسيخ نفوذها في الحديقة الخلفية للسعودية (اليمن)؟

– الإصلاح والديمقراطية:
أما المخاوف الإماراتية المبالغ فيها من حزب الإصلاح، وغيره من الأحزاب والتيارات السياسية الإسلامية في العالم العربي، فذلك نابع من سببين: الأول، أن الإمارات غاضها تحالف حزب الإصلاح مع السعودية، وتسعى إلى تحجيم النفوذ السعودي في اليمن من خلال تحجيم حلفائها السياسيين، ليحل نفوذها مكان النفوذ السعودي.

والسبب الثاني، أن شعارات الديمقراطية والمدنية ومحاربة الإرهاب والنفوذ الفارسي في العالم العربي، التي يرفعها حزب الإصلاح وأحزاب إسلامية أخرى في العالم العربي، تثير مخاوف الإمارات من انتقال عدوى الديمقراطية إليها، وفي نفس الوقت، فهي تريد احتكار شعارات مكافحة الإرهاب والنفوذ الإيراني، ولا تريد منافسة أحد بهذا الخصوص، سواء الأحزاب الإسلامية في العالم العربي، أو حتى السعودية.

– أزمة محتملة:
لا شك أن محاولة دولة الإمارات ترسيخ نفوذها في اليمن سيثير حفيظة وغضب السعودية، وللتذكير، فقد نشبت أزمة سعودية-ليبية أثناء حروب صعدة الست (2010-2004) بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين، بسبب تقديم نظام معمر القذافي في ليبيا دعمًا ماديًا لمشائخ لقبائل اليمنية التي تقطن مناطق حدودية مع السعودية. كما نشبت أزمة سعودية-قطرية صامتة، بسبب المبادرة القطرية لحل أزمة صعدة حينها.

وكان سبب الأزمتين المذكورتين اعتقاد السعودية أن القذافي يريد ترسيخ نفوذه في حديقتها الخلفية، وأن قطر -من خلال مبادرتها لحل أزمة صعدة- الغرض منه أيضًا ترسيخ قطر نفوذها في الحديقة الخلفية للسعودية. والسؤال هنا: هل ستنشب أزمة بين السعودية والإمارات بسبب محاولة الإمارات ترسيخ نفوذها في الحديقة الخلفية للسعودية (اليمن)؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.