شعار قسم مدونات

هل نحن بحاجة إلى علوم آلة جديدة؟

blogs - مكتبة

لا يختلف اثنان على كون فهم النصوص الدينية من أهم الوظائف التي يجب على المسلمين القيام بها، فالنصوص الدينية تبقى في حالة سكون إلى أن يتم تفسيرها، ولكن التفسير والتأويل مرتبط بمنظومة من الأدوات التي يستحضرها المفسر قبل القيام بأي خطوة داخل النص، وعند النظر في هذه الأدوات التي يجب على المفسر أن يتقنها ويتقن استعمالها، نرى أن هذه الأدوات هي عبارة عن علوم مختلفة، ولكن هناك ثمة علوم أساسية تشكل الأرضية التي تنبني عليها كل العلوم وهي ما يسميه بعلوم الآلة حيث دأب العلماء على تقسيم العلوم إلى نوعين من ناحية القصد لذاتها ولغيرها إلى نوعين: علوم آلة وعلوم غاية.

ويقصدون بعلوم الآلة تلك العلوم التي يتوسل بها لأن تكون وسيلة وآلة لفهم علوم الغاية والمقصد. ولنضرب مثالا على ذلك بعلم النحو أو علوم العربية ككلٍ، حيث يتم دراسة النحو والعربية كوسيلة وواسطة لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذلك الحال في علم المنطق وغيره، فهذه الدائرة من العلوم والمعارف تدرس لا لذاتها، إنما لكونها أرضية علمية للبناء.

لعل تطوير دائرة علوم الآلة في مدارسنا الشرعية وفي كليات الشريعة والإلهيات كفيل بأن يحدث نقلة في طريقة التعاطي مع النص القرآني باتجاه تكثيره وتوليد المعاني الجليلة منه، وما ظهور الاختصاصات الكثيرة  إلا نتيجة تطوير جزئي في علوم الآلة.

كانت علوم الآلة نتيجة البيئة التي عاش فيها العلماء، أي أن هذه العلوم تحمل في طياتها، وفي أسباب اختيارها كعلوم آلة صفات العصر، فمثلا كانت ثمة حاجة ملحة إلى إتقان علم المنطق نتيجة شيوعه بعد حركات الترجمة، فاختير كعلم آلة لذلك، كذلك الحال مع الفلسفة حيث كان إتقان الفلسفة شرطا للحديث عن علم الكلام لحماية الدين، بكلام آخر نستطيع القول بأن كون علم ما هو من علوم الآلة كان نتيجة لسد حاجة ما علمية اجتماعية، وهذا يعني بأن علوم الآلة تتغير تبعا لتغير الزمان، فالنحو الذي لم يكن هناك من حاجة إليه في عصر النبي أصبح ملحا في النصف الأول من القرن الأول وهكذا، كما أن اختيار نمط علوم الآلة أفرز شكلا معينا من طريقة النظر في علوم الغاية.

وفي عصرنا الحالي الذي نشهد فيه تطورا لافتا في العلوم الإنسانية والعلمية، لا بد فيه من مراجعة لمنظومة علوم الآلة لنرى أيها الثابت وأيها المتغير، ولنعرف كيفية إعادة بناء منظومتنا من علوم الآلة التي بالتالي ستؤثر على كيفية التعاطي مع العلوم الأخرى التي تقصد لذاتها.

إن المعارف التي نشهدها اليوم هي نتاج تراكم طويل من خبرات البشرية على مر آلاف السنين، وهي بالتالي تراكم معرفي ضخم لا يجوز الاستهانة به ولا غض الطرف عنه، ولعل تطوير دائرة علوم الآلة في مدارسنا الشرعية وفي كليات الشريعة والإلهيات كفيل بأن يحدث نقلة في طريقة التعاطي مع النص القرآني باتجاه تكثيره وتوليد المعاني الجليلة منه، وما ظهور الاختصاصات الكثيرة -وخصوصا في الفقه الإسلامي- إلا نتيجة تطوير جزئي في علوم الآلة.

فمثلا علم الاقتصاد الإسلامي، والبنوك الإسلامية، هي نوع من الاستجابة لعصر تطور فيه علم الاقتصاد وأصبح المحرك الأساسي للحياة، كما أننا نشهد أيضا في بعض الرسائل الأكاديمية في الكليات الشرعية اتجاها إلى الدمج بين علوم متعددة، كعلوم التربية والشريعة مما أنتج لنا رسائل تدرس علما في الأصول الإسلامية وهكذا، وهذا دليل على أن التطوير في علوم الآلة سيحدث قفزة في طريقة التعاطي مع النصوص الإسلامية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.