شعار قسم مدونات

شيفرة المثقف العربي

مدونات - المثقف

دودة الكتب، العميق، أبو العُرّيف، المُنعزل الاجتماعي، المتحدث الصامت والمجنون العاقل.. كُلّها صفاتٌ متناقضة تجدها مجتمعة في ثنايا ذلك المصطلح الأسطوريّ الذي أصبح حِكراً على البعض باعتباره ماركة تجارية مسجلة باسمهم يهبونه ويمنعونه.

"المثقف"، ذلك الكائن الذي تعددت تعاريفه حتى أصبحت تفوق عدد الأشخاص الذين يستحقون اللّقب بحدّ ذاته.. وكما نرى من وجهة نظر مجتمعنا -الذي يحتاج الى نظارات طبيّة على ما يبدو- فإنّك قادرٌ على الإلتحاق برَكب المثقفين وتصبح مثقفاً بخطوات بسيطة تتبعها كما سنرى تالياً، ولكن عليك بالتركيز مليّاً فالصفات التالية تمّ اختيارها بعناية من مثقفي المجتمع الذين يعتبرون أنفسهم نخبة النخبة ويتصدرون لنهضة المجتمع ورفعته – وبهذا لا عجب أننا ما زلنا في ذيل الأمم -.

إذاً إليك كيف تُصبح مثقفاً في عشر خطوات موجزة وبسيطة وأيُّ حياد عن هذه الصفات سيجعلك إنساناً سطحياً عادياً لا "تميّز" أو "تفرّد" لديه:

1- قُل لا دائماً:
عليك بالاعتراض دائماً لكي تبدوا بمظهر "المعترض المثقف"، فالرفض الدائم لأي موضوع مطروح هو وسيلتك لتطوير فكرك الذي سيتجه – خارج الصندوق – وبهذا ستتقن "التغريد المنفرد خارج السرب" .. كما يجب عليك اتباع مذهب الشك "أنا أشكّ إذاً أنا موجود" وهذا يسمى في علم الاجتماع الحديث سيراً عكس التيار، فكلّ التيّارات قابلةٌ للخروج عنها -الدين، العادات والتقاليد إيجابية كانت أم سلبية، العُرف السائد، الأخلاق-.. أخرج عنها كلَّها دون استثناء.

احرص على أن يكون مشروبك المفضّل هو القهوة ويُفضّل أن تكون خالية من السكر كيف تزيد من عُمق ثقافتك، فلا يصحُّ تناول أيّ نوع من أنواع السوائل الأخرى لأنها ستُفسد جمال صورة الـ "سنابشات" المُلتقطة للفنجان بجانب الكتاب.

2- العلمانية هي الحلّ:
"المثقف" يجب أن يبقى منفصلاً عن الدين في أفكاره واعتقاداته ولا ضرورة لوجود مرجعيّة دينيّة يُقاس عليها صواب أفكاره أو خطأها، بل ويجب عليه أن يوجه للدين بعض التُهم كالرجعيّة والتخلّف وعدم القدرة على مواكبة القرن الحادي والعشرين .. وقد تصل به مآلات الأمور الى الطعن بأمور ثابتة وواضحة دينياً.

فتارة ينقد الحجاب وتارة ينقد السُنّة، وتراه ينسف أموراً أُثبِتت منذ زمن كان وجوده حُلماً يراود أحد والديه كطفل سينجبه عندما يتزوج .. فكما قال أحدهم واصفاً من ينتقدون الإعجاز العلميّ في القرآن الكريم: "عجباً لمن لا يُجيد فكّ الخطّ وتحليله وكتابة الجمل التامّة ذات المعنى.. كيف ينتقد على الملأ الإعجاز العلميّ في القرآن الكريم!". وقد تكون محظوظاً إذا نجحت في الوصول الى مرحلة "الإلحاد" تماشياً مع موضة "ملحدي الفيسبوك الحديثين" أصحاب الأفكار العصرية القادرة على النهوض بالبشرية بعيداً عن الدين.

3- انتقد ولا تَنقُد:
اجعل لسانك سليطاً، انتقد كبار العلماء على اختلاف مجالات علومهم بدعوى عدم التسليم التامّ والخضوع الفكريّ كما عليك بانتقاد الشخصيّات الدينيّة المعروفة وذات الانتشار والبحث عن ثغراتهم وهفواتهم "الإنسانية" فلا يجوز لهم أن يخطئوا أبداً.. ولا تكترث أبداً إن لم يكن لانتقادك مرجع ثابت وصحيح، يكفي أن تجد من يساندك ويصفق لك وستكون قد حققت مُبتغاك من الانتقاد، كما ينبغي عليك أن تُسلّط الضوء على الجانب المُظلم من شخصيّاتهم وأهمِل ما تبقى من إيجابيات.


4- اقرأ بذكاء:

اختر كتبك بعناية وذكاء حيث تكون مواكبة للموضة السائدة بغضّ النظر عن محتواها أو موضوعها .. ركِّز على الروايات الدراميّة الحزينة ودعك من الكتب – التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع – فهي لا تُثري العقل بتاتاً، فمثلاً عليك بدوستيفسكي، أثير النشمي، وأحلام مستغانمي – بالطبع إذا كان "المثقف" مؤنثاً – فالذكور يَحرم عليهم تداول هذه الروايات تحديداً فهي سبب بُغض الإناث لهم واصفين إياهم بأصحاب الحياة ال"سوداء" التي "لا تليق بهنّ".

5- القهوة:
احرص على أن يكون مشروبك المفضّل هو القهوة ويُفضّل أن تكون خالية من السكر كيف تزيد من عُمق ثقافتك، فلا يصحُّ تناول أيّ نوع من أنواع السوائل الأخرى لأنها ستُفسد جمال صورة الـ "سنابشات" المُلتقطة للفنجان بجانب الكتاب.

6- كُن أبو العُرّيف:
خُض أيّ حوار أو نقاش مهما اختلف موضوعه فأنت "كمثقف" يُفترض بك الإلمام بالسياسة، الرياضة، الاقتصاد، كيفية طبخ الملوخية، آلية عمل المفاعلات النووية .. وغيرها. دعك من جملة "لا أعلم" فهي زلزال سيضرب صورتك العامة ويعصِف بها أمام الملأ بقوة.

7- حاضِر بالناس ولا تحاورهم:
قم بفرض رأيك قَسراً على من تُناقش، وحافظ على الفوقيّة في النقاش معتمداً على رأيك مجرداً وبعيداً عن الأدلّة والحقائق والمصادر الموثوقة، تجنّب طرح الأسئلة أيضاً فهذا لا يليق بك، وحاول تجنّب تلقيها أيضاً وإن حدث ذلك ولم تجد إجابة مقنعة للسؤال فأجب بطرق غير مباشرة مبهمة وقم بتضليل السؤال.

8- احذر من أكذوبة أساسيات الحوار:
أساسيات الحوار "أكذوبة" للضعفاء فقط، كن منفعلاً دائماً ومتحمساً.. كن متكلماً جيداً لا مستمعاً، لا تُعطِ الفرص لغيرك في الحديث أو التعبير عن رأيه.. وحرصاً على أن يبدوا حديثك أكثر تحضراً ورقياً، استخدم المصطلحات الطويلة والمعقدة وبعض الكلمات الإنجليزية في خلال سياق الحديث.

لا تهدأ، ولا ترضَ، ولا تشبع.. استمر في سيرك نحو ثقافة تليق بعقلك، كن جائعاً لكل معلومة تصادفك فتلتهمها وتختبرها، واحرص على التطوير الدائم والمستمر لنفسك.

9- تحرر بذكاء أيضاً:
من مهامك كإنسان "مثقف" أن تكون من دُعاة التحرر من القيود -على إطلاقها- كما أسلفنا سابقاً، ويستنثى من ذلك بعض الرموز الثقافية والسينمائية، فهذه الرموز لا بُدّ من تقديسها وتمجديها .. كما يجب اعتبار رأيها صواباً على الدوام نسبة الى عدد "الفولورز" الكبير لديهم.. ولا ضرورة للتنبيه بعدم خضوعهم للانتقاد المتفق عليه في النقطة رقم 3.

10- كن استعراضيا:
وهذه لا شرح فيها ولا تفصيل.. كن استعراضياً في كلّ شيء واحرص على إبراز نفسك بشكل مبالغ فيه.. وحذار من الخلط بين التميّز والاستعراض.. الاستعراض أفضل، أقوى وأكثر تأثيراً، استعرض يا صديقي كلما أتيحت لك الفرصة حتى وان كنت فارغاً.

أمّا قبل..
هذه الكلمات قد كتبها شاب يأس من إيجاد قدوة ثقافية نظيفة له في مجتمعه المحيط والمحبط.. وبعد بحث مطوّل عن صفات الإنسان المثقف في أناس كانت الثقافة بريئة منهم "كبراءة الذئب من دم يوسف" اختار على الأقل إثبات النقيض وقلب الأدمغة وتغيير أسلوب التفكير..

الثقافة يا صديقي ليست هدفاً ولا وصفاً وإنما هي "كيان مستقل"- كالعلم مثلاً – لا بداية لها ولا نهاية ولا حدود. لعلّ هذه المعلومة كان يجب أن تكون في بداية النص أسفل العنوان تماماً ولكن لا بأس بذلك، عُد وأقرأ ما كُتِب في الأعلى حاملاً مرآة تقلب كلّ ما تراه.. ستجد المثقف كامناً خلف تلك الحروف هناك.

ولمن سعى فعلاً نحو ثقافة هادفة:
لا تهدأ، ولا ترضَ، ولا تشبع.. استمر في سيرك نحو ثقافة تليق بعقلك، كن جائعاً لكل معلومة تصادفك فتلتهمها وتختبرها، واحرص على التطوير الدائم والمستمر لنفسك.. وتذكر "يبقى العالم عالماً حتى يقول علمت، فإن قالها فقد جهل" وعلى ذلك قِس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.