إن أصبحت القمامة تملأ الشوارع يعرف الأوروبي بأنه هو من سيتضرر فيقوم بحملات نظافة وينظف شوارع بلده، نحن يا سادة ما زلنا نرمي الأكياس والمحارم وبقايا السجائر من الشبابيك على الطرقات والحدائق ونقول على الدولة أن تنظف |
بعد أن تقطع مسافة 7 كم في شكل انسيابي هابط؛ يستقبلك على يمين الطريق في مدخل القرية لوحة زرقاء تحمل اسم القرية ومكتوب تحتها (ترحب بضيوفها الكرام) وكوننا معروفين بالكرم والبيوت المفتوحة للضيوف والزوار منذ زمن بعيد، فقد كان لزاماً علينا كتابة ملحق أهلاً وسهلاً في أسفل اللوحة وبجانبه لوحة أخرى للوهلة الأولى حين ترى عليها صورة الحاكم الذي يرتدي قبعته الروسية المعروفة وعلى جانبيه ورثة العرش؛ تظنهم من أهالي القرية لشدة تعلق الناس بالخوف المنبعث من تلك الصور، ولا بأس أن تغني (حماك الله يا … سلمت وتسلم البلدُ) ولكن مع التعديل أصبحت (سلمت وتُحرق البلد)
بعد أن تأخذ عند مدخل القرية لمحةً عن الواقع السياسي، تنتقل إلى حرم القرية حيث تترامى بيوت قريتي على طرفي الشارع العام، ودونما وجود أشجار أو حتى القليل من الجرافيك باستثناء جرافيك لوحة الترحيب الزرقاء وصور الآلهة السابق ذكرهم.
في القرية عندما كنت صغيراً؛ تغيب مظاهر الإتكيت، وتحضر مظاهر الاجتماعات الحزبية والحصيدة والرجيدة والدراس، وهي مصطلحات تتعلق بجني المحصول الذي كان عادةً ما يزرع قمحاً أو حمصاً أو شعيراًن وذلك بالاعتماد على ماء المطر، وعلى الرغم من وجود قريتنا على بحر من المياه الجوفية، ولكن لم يتسن لنا سوى أن نحصل على اثنين من الآبار على شكل مكرُمة من الحاكم الذي يملك ما فوق وما تحت الأرض، ولا يُسمح سوى بالشرب وبعض الواسطة في ري القليل من شجر الزيتون والتفاح.
بعدها بقليل على يمين الشارع العام وبالتفافة بسيطة تدخل طريق بيتنا المرصوف بالحجارة و(رملة المزقلط) وهو رمل أحمر لتعبئة الفراغات، نأتي به من تل نسميه محلية (مزقلط) وبجانب بيتنا بيت قديم من الحجر الأسود كان مرتعاً للماشية والقطيع، الماعز التي كانت تشاركنا جزءا من المنزل والدجاجات الحمراء مع بعض اللطخات السوداء والتي كنا نسميها (دجاجا فرنسيا) وبقرة جيراننا التي التف الحبل حول عنقها وهي ترعى وحيدةً خلف بيتنا، والجزار الذي جاء كالبرق كي يستطيع أن يذبحها وفق الشريعة الإسلامية حتى لا تلفظ أنفاسها الأخيرة خنقاً، كلها ذكريات تعشش في ذهن العربي القروي، تبقى تحتل مكانة بارزة في مخيلته، وحتى مع سكنه في أفضل مدن العالم وحصوله على عمل ذو مستوى عالي، ويحتاج درجة كبيرة من الرقي والإتكيت.
الأوروبيون شعب تعود على الأكل بالشوكة والسكين لأنهم وصلوا لمرحلة لا يفكرون فيها برغيف خبزهم، هم ليسوا عباقرة ولكنهم يعملون بشكل جماعي ضمن القانون. نحن عرب وعندنا ذكاء كبير ولكننا تابعين وأذلاء. |
العربي يا سادة لا يتمتع سوى بالطيبة، ولم يتعلم الإتكيت والقوانين لأن الحاكم أراده أن يبقى جاهلاً، كلنا ننظر للأوروبيين بأنهم متحضرون ولكن لماذا؟ سأقول لكم.. الأوروبي تربى على قانون يكفل حقوقه الأساسية والتي تجعله على الأقل إن لم يجد فرصة عمل لن يموت جوعاً أو ينتظر حسنة الجيران أو يبحث عن رغيف الخبز، الأوروبي تعلم بأن بلده له وليست للحاكم، فإن أصبحت القمامة تملأ الشوارع يعرفون بأنهم هم من سيتضررون فيقومون بحملات نظافة وينظفون شوارع بلدهم، نحن يا سادة ما زلنا نرمي الأكياس والمحارم وبقايا السجائر من الشبابيك على الطرقات والحدائق ونقول على الدولة أن تنظف، ويأتي الزبال ويأخذ راتبه ليقوم بالتنظيف، اسمحوا لي هو ليس زبالاً، نحن الزبالون.
الأوروبيون شعب تعود على الأكل بالشوكة والسكين لأنهم وصلوا لمرحلة لا يفكرون فيها برغيف خبزهم، هم ليسوا عباقرة ولكنهم يعملون بشكل جماعي ضمن القانون. نحن عرب وعندنا ذكاء كبير ولكننا تابعين وأذلاء.. ولكن هل تعتقدون بأننا ربما نجد ظروفا تساعدنا على نشبع الرغيف حتى نتفرغ للإتكيت؟ ربما حين تُزال صورة الآلهة من مدخل قريتي!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.