شعار قسم مدونات

سيكولوجية الاحتشام

blogs - hijab

يمثل الاحتشام عنوانا بارزا يميز الحضارة الإسلامية بشكل واضح ولذا فإن انتفاض الغربيين ضد الحجاب واعتباره رمزا دينيا واضحا لا يأتي من فراغ، بل لأنهم يفطنون لحقيقة قد تغيب عن بعض المسلمين وهي أن الحجاب فعلا يمثل رمزا من رموز الثقافة الإسلامية لأنه ليس مجرد ملبس ولكنه بناء نفسي متكامل يبثه الإسلام في نفوس أتباعه بحيث يصبح الاحتشام جزء من سيكولوجية المسلم تظهر في تصرفاته وتصبغ حياته. فتعالوا نستعرض سويا كيف بنى الإسلام هذه السيكولوجية الفريدة والتي يكاد يتميز بها الإسلام بين الثقافات:

ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين
إنه الشطر ٥٩ من سورة الأحزاب الذي يعلن بشكل واضح وصريح أن الحجاب هو فعلا شعار ترفعه المرأة المسلمة فيميزها فيعرف الجميع أن من تلبس الحجاب هي مسلمة فلا تتعرض للأذى أو الإيذاء من أي نوع.. وكأن صدر الآية يرد على كل من يدعي أن الحجاب أمر يخص أمهات المؤمنين فقط من زوجات الرسول فتبدأ الآية بهذا النداء للرسول الكريم "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ" فأمر الاحتشام مأمور به الجميع وهو يمثل الخصوصية والرعاية والحماية والتكريم.

يكاد يكون عرض الفتاة لصورتها بالمايوه البكيني أو بملابس شبه عارية قاسم مشترك في البروفايل الشخصي للبنات في البلاد غير الإسلامية وهو أمر يكاد يكون أمرا مستحيلا بالنسبة لفتاة مسلمة لأن البناء النفسي للاحتشام داخلها يحول دون ذلك.

والألفاظ التي تحمل أي معنى مما يروج له البعض من أنه إهانة للمرأة باعتبارها جسد يجب أن يغطى أو عورة تستر بل إن لفظ أدنى كأفعل تفضيل يدل على أن هناك طيف واسع من الأهداف والتأثيرات والتفاعلات لهذا الاحتشام لأن التفضيل لابد له من مفضلات أخرى، وهذه حقيقة فالاحتشام يمنع الإيذاء الظاهري من الخارج وأيضا يحمي نفس الفتاة من الإيذاء الداخلي بالانجرار نحو شهوة الاستعراض الجسدي حيث يتحول الجسد إلى أداة للفخر والتباهي، ويصبح إظهار المفاتن مطلوبا لذاته وكأن لصاحبته فضل في جمالها فتتباهى به مثل من يتباهى بمهارة أتقنها وهو ما يظهر بوضوح في الثقافة المادية حيث التجارة بجسد المرأة واعتباره مصدرا للكسب والاسترزاق وهو أمر يستهجنه العقلاء ذوي الفطرة السليمة السوية.

فمثلا برزت في السنوات الأخيرة مناهضة شديدة لمسابقات ملكات الجمال حتى أنها لا تجد مقرا لإقامتها لأن الناس تتظاهر ضد استغلال جسد المرأة واعتباره مجال تنافس بين البنات لتكون ظاهرة فتيات الإعلانات والاستغلال المباشر لجسد المرأة في الترويج لسلعة تجارية هو التجلي الواضح لما يمكن تسميته ثقافة العري ولتصبح صناعة البورنو أكثر الصناعات نموا ورواجا، لتمثل قدرة الفتاة المسلمة على حجب جمالها وعدم استعراضه أو الافتخار العلني به تحديا فعليا للثقافة الغربية والتي تسعى لفرض نموذجها الحضاري تحت مسمى العولمة ولا تكترث الاختلافات الثقافية خاصة وإن ثقافة الاحتشام تكاد تكون إسلامية بامتياز حيث تتمايز باقي الثقافات الشرقية عن الثقافة الغربية ولكن لا يكاد يكون الاحتشام أحد نقاط الخلاف الجوهرية كما هو حادث مع الثقافة الإسلامية..

فالبنت المسلمة تقدم نموذجا مغايرا تماما لكل طريقة الملبس، فكل خطوط الموضة وكل ما تنتجه صناعة الأزياء بآلتها الجبارة تقف عاجزة أمام سيكولوجية الاحتشام التي تنبني في المجتمع المسلم عامة وفي نفوس البنات المسلمات خاصة ليحدث العكس، وتخضع خطوط الموضة لثقافة الاحتشام وتتخصص دور للأزياء في تصميم أزياء المحجبات وعروض أزياء لهن تحترم سيكولوجية الفتاة المحتشمة وتضعها في اعتبارها.

ليكون إدراكنا للأمر مختلف في ما يسمى عروض الأزياء الإسلامية أو حتى ما يسمى بالمايوه الإسلامي أو تخصيص أماكن أو أوقات لنزول الفتيات والسيدات للسباحة بعيدا عن الأعين.. حيث يراه البعض تمييعا للثقافة الإسلامية ومحاولة للالتفاف حولها في حين نراه قوة لثقافة الاحتشام وقدرتها على التأثير على واقع ممتد عبر الثقافات والقارات، فحتى الفتاة التي لا تلتزم بشروط الحجاب تماما فيما يسميه البعض حجاب الموضة بل لا أكون مبالغا إن قلت إن الفتاة المسلمة غير المحجبة هي في النهاية محتشمة بالنسبة لمن هم في مثل سنها في بلاد أخرى أو ثقافات مغايرة إذا استثنينا من انهزمن نفسيا أمام النموذج الحضاري الغربي وانسلخن تماما من ثقافتهن الأصلية.

تحدد الآية بشكل واضح وصريح في المقطع التالي شكل الحجاب وامتداده "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ" فالزينة الظاهرة ليس منها مكان الجيوب وهو فتحة الصدر حيث هو أكثر موضع تتباهى به البنات في استعراض جمالهن.

فعلى سبيل المثال يكاد يكون عرض الفتاة لصورتها بالمايوه البكيني أو بملابس شبه عارية تبرز مفاتنها قاسم مشترك في البروفايل الشخصي للبنات في البلاد غير الإسلامية الغربية والشرقية منها وهو أمر يكاد يكون أمرا مستحيلا بالنسبة لفتاة مسلمة لأن البناء النفسي للاحتشام داخلها يحول دون ذلك بشكل قد لا تعيه أحيانا لأنه راسخ لديها في عقلها الباطن في الأسعار.

ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
هذا الشطر من الآية ٣١ من سورة النور مهم جداااا وفي منتهى الخطورة في فهم طبيعة الاحتشام لأن البعض يروج أن الحجاب يحرم البنت من أنوثتها ويحولها إلى كائن ممسوخ على غير طبيعتها فلا هي أنثى تستمتع بجمالها وزينتها ولا هي تحولت إلى رجل كما يتصور البعض من أنه مقصود الاحتشام في تحويل طبيعة المرأة الأنثوية.. فتأتي الآية وهي تتحدث عن غض البصر وحفظ الفرج كجزء أصيل من حالة أخلاقية عامة تقوم على العفاف والاستعفاف وكبح الشهوات إلا في إطارها الشرعي، تأتي لتتحدث على أن زينة المرأة جزء فطري من طبيعتها لا يمكن الجور عليه أو منعه بل بالعكس أن ما ظهر من زينة المرأة مستثنى من الحجب ليكون المعنى الأوضح والأعم هو أن المرأة تتزين وتتجمل لأن هذا من طبيعتها التي لا فكاك منها كونها أنثى خلقها الله بطبيعة خاصة يمثل فيها الجمال والزينة جزء من إنسانيتها وبنائها النفسي.

لذا فإن ما بدا من هذه الزينة لا يدخل في نطاق الحجب للحفاظ على كينونتها الأنثوية واستقرارها النفسي، ولتحدد الآية بشكل واضح وصريح في المقطع التالي شكل الحجاب وامتداده "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ" فالزينة الظاهرة ليس منها مكان الجيوب وهو فتحة الصدر حيث هو أكثر موضع تتباهى به البنات في استعراض جمالهن، ونظرة إلى نجمات هوليود وكيف أن الفستان مكشوف الصدر هو مناط المنافسة كجزء من مفاتن المرأة يجب استعراضه وإظهاره كتعبير عن ثقافة عامة سائدة في هذا الصدد، لتنتقل الآية بعد ذلك لتحديد من يصح أن يرى المرأة في زينتها في تفصيل معجز بذكر كل محارم المرأة وهو أمر لم يحدث في القرآن إلا وهو يستعرض من يحل الزواج منهن حتى لا يلتبس الأمر ولا يكون محل نقاش أو خلاف في تعميق وبناء قوي لسيكولوجية الاحتشام في المجتمع.

الرسول وبناء سيكولوجية الاحتشام
تدخل أسماء بنت أبي بكر الصديق على الرسول الكريم وعليها أثواب رقاق وهي فتاة يافعة فيقول لها الرسول الكريم يا أسماء إن الفتاة إذا بلغت مثل سنك فلا يصح أن يظهر منها إلا هذا وذاك وأشار إلى الوجه والكفين.. حديث يساق دائما لإثبات فرضية الحجاب لا أراه من وجهة نظر سيكولوجية من زاوية أخرى.

ما أقصده من استعراض منهج الرسول للتعامل مع الفتيات الصغيرات وبناء ثقافة الاحتشام في نفوسهن بمنتهى الرفق والهدوء والتدرج هو الرد على من يتصور أن الحجاب يفرض على الفتيات بالقوة بمجرد بلوغهم دون تمهيد نفسي كاف.

فالواضح أن أسماء دخلت على النبي بعد نزول آية الحجاب وفرضه على المسلمات بفترة زمنية والتزمت النساء المسلمات بالحجاب ولم ينبه أحد الفتيات في سن أسماء بنت أبي بكر إلى الحجاب فلما شاهدها الرسول "الإنسان الموجه التربوي" لم ينهرها ولم يغضب ولم يعتبرها ارتكبت جريمة نكراء لأنه علم أنه يبني ما هو أهم من مجرد الملبس، إنه يبني شيئا مغايرا في نفسية هؤلاء البنات الصغيرات وهو الحشمة والاحتشام فهو يعبر لها عن أنها في مرحلة سنية جديدة وأنها قد كبرت ونضحت لذا استلزم الأمر أن تتحلى نفسيا بالاحتشام حتى أمام صديق والدها وزوج أختها بل وأمام الرسول الكريم نفسه.. تشعر بالرفق والهدوء في الكلمات والتوجيه.

ليظهر الأمر أكثر وضوحا في موقف آخر حيث تركب وراءه فتاة صغيرة وهو في طريقه إلى الغزو عندما ينزل من على دابته للراحة تستحي الفتاة أن تنزل فيدرك الرسول الأمر بفطنته وأنها حاضت للمرة الأولى ويعهد لأم المؤمنين لرعايتها لتنتهي الغزوة ويوزع الرسول الغنائم ثم لينادي على الفتاة ليعطيها سهما من الغنائم، ليوجهنا الرسول الكريم أننا نبدأ في توجيهنا لبناتنا بالحقوق والميزات قبل أن نطالبهن بالواجبات فلم يذكر الحديث أن الرسول قد حدثها عن الحجاب أو أمرها به بل قدم الرسول الميزة قبل أن يقدم قائمة الممنوعات.

ليكون ما أقصده من استعراض منهج الرسول للتعامل مع الفتيات الصغيرات وبناء ثقافة الاحتشام في نفوسهن بمنتهى الرفق والهدوء والتدرج هو الرد على من يتصور أن الحجاب يفرض على الفتيات بالقوة بمجرد بلوغهم دون تمهيد نفسي كاف واستعداد من الفتاة لاستقبال الأمر والتعامل معه كجزء من ثقافتها وبنائها النفسي.

إن الاحتشام بناء نفسي متكامل يبنى بهدوء وتدرج ورفق حتى يصبح جزء من سيكولوجية الفتاة ليصبح ثقافة مجتمع ولذا فهو لا يفرض بأي قوة ولا أي سلطة لأنه جزء من بناء النفس الطبيعية إذا أخذ حقه في النمو عبر أطوار الزمان والحياة ليصبح بحق عنوانا للإسلام والمجتمع المسلم دون إفراط أو تفريط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.