شعار قسم مدونات

وطن في حالة حرب

blogs - خريطة تحترق
لم تعد أفريقيا أكثر المناطق خطرا واضطرابا في العالم كما كنا نتصور، فالوطن العربي حاليا هو من يعيش حالة الحرب بكل تفاصيلها، بمشاهد الدمار والقتل، وبحُشود اللاجئين والفارين من جحيم الصراعات التي لا تنتهي، بعد أن تحملوا القهر والظلم لعقود حبا في بقعة الأرض التي وُلدوا فيها. حرب الجميع ضد الجميع، حرب نستشعرها في كل مكان، صفقات أسلحة بملايير الدولارات. دون أن نتجاهل أن هناك الملايين ممن يعيشون الجوع والفقر والهشاشة في ظل أنظمة ديكتاتورية جعلت الدول أشبه بالسجون الكبيرة، في مشاهد لا تقل بشاعة عن مشاهد الحروب.
كبرنا على حلم الاتحاد العربي والوحدة الإسلامية والاتحاد المغاربي والتعاون الخليجي، واكتشفنا فيما بعد أنها مجرد استعراضات للقادة والوزراء، واجتماعات دورية أو طارئة تُهدر فيها أموال الشعوب لإصدار بيانات مكررة وجامدة، حلمنا بتحرير فلسطين ونسينا أنه كان علينا أن نفكر أولا في تحرير أنفسنا، انتظرنا طويلا تحقيق مشروع التبادل التجاري الحر ونسينا أنه يبقى مستبعدا أو مستحيلا في ظل أنظمة لم تستوعب بعد منافع الشراكة وقيمة التعاون المشترك وتتصور أن الموارد الطبيعية تغنيها عن ضرورة إحداث سوق تنافسية وبناء اقتصاد قوي. كنا نتصور أننا نتوفر على دُول بمؤسسات وقوانين، لنكتشف أننا لا نملك إلا حكاما يصدرون قرارات مزاجية وشعوبا لا تملك غير السمع والطاعة.

كم نصيبنا من جوائز نوبل والأوسكار والأولمبياد؟ كم ترتيبنا في جودة الحياة والعدالة الاجتماعية؟ وما هي صورتنا في مجال حقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية؟ أين نحن؟!

بالعلم والأدب والفن والفكر والتكنولوجيا، وبالتخطيط والشفافية والعدل وسيادة القانون، تصنع الأمم حضاراتها، وتُدون صفحات مشرقة في تاريخها وفي تاريخ الإنسانية جمعاء، ونأبى نحن إلا أن نعيد تاريخنا المتخم بالأحقاد المتوارثة والنعرات الطائفية، ونُردد نفس الأكاذيب التاريخية ونتباهى بماض لم يعد يعني شيئا. نشحن أجيال المستقبل بخطابات الثار والطائفية والكراهية مند طفولتهم، ونقتل فيهم قيم الحب والإبداع والابتكار. تنتج جامعات الأمم المتحضرة أجيالا من النخب في كل المجالات ممن يساهمون في العمل والبناء ويمثلون مصدر فخر عبر التاريخ، فيما تعيش جامعاتنا جحيم الصراعات والعنف بين الطلاب، وغياب للبحث العلمي الجاد، وتنتهي بإعادة إنتاج وفرز نفس الأجيال من حاملي الشهادات التي تفتقر في أغلبها لشروط الكفاءة والمستوى الأكاديمي.

يمثل الإعلام في الدول المتقدمة سلطة كاملة في مؤسسات الدولة ويُراقب اَداء المسؤولين بحرية واستقلالية تامة، فيما يظل الإعلام العربي يُطبل للطغاة ويُمجد أبطالا بلا بُطولات، ويغير الحقائق حسب الأوامر ويُمارس دوره التقليدي في مُهاجمة وتشويه كل من يُعارض السلطة، ويُمثل المنصة المجانية لخطباء ونخبة السلاطين، بدون أي احترام لأخلاقيات المهنة وقيم المجتمع.

فشل الوطن العربي في كل التحديات والقضايا الإقليمية والدولية، تراجع بشكل تدريجي عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بعد الفشل العسكري والسياسي والاقتصادي في مواجهة إسرائيل نتيجة غياب أي مقاربة ناجعة وأي تصور عقلاني وواقعي موحد للصراع، لينتهي الحال بفلسطين منقسمة لشطرين متنافرين، وينتهي الحال بما بقي من حركات المقاومة في عزلة دولية لا يبدو أنها ستنتهي. كما فشلت الأمة العربية بكل مؤسساتها في حل أي من الصراعات الداخلية للدول، إن لم تكن قد زادت من حدتها، ما أتاح المزيد من التدخلات الأجنبية في المنطقة بشكل مباشر.

فشل الوطن العربي في تدبير موارده الطبيعية الضخمة، وأنفقها على صفقات أسلحة تُستعمل ضد بعضهم أو تنتهي صلاحيتها في الثكنات في أحسن الأحوال. أما تدبير الموارد البشرية فلم يكن أحسن حال من تدبير الموارد المالية، فمصير أغلب مبدعينا ومفكرينا وعلمائنا على نذرتهم هو التجاهل والنسيان، وقد يكون مشابها لمصير ابن رشد والرازي والخوارزمي والحلاج وابن سينا وآخرين.

كم نصيبنا من جوائز نوبل والأوسكار والأولمبياد؟ كم ترتيبنا في جودة الحياة والعدالة الاجتماعية؟ وما هي صورتنا في مجال حقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية؟ أين نحن مما وصلت إليه الصين أو اليابان أو كوريا أو حتى تركيا خلال أربعين سنة.

القاضي: الوطن حلم الطفولة، وذكريات الشيخوخة.. والمفتدىٰ بكل غالٍ وثمين.. لا يساوي بنظرك أكثر من حذاء؟! لماذا؟! لماذا؟! – المتهم: كنت حافيًا يا سيدي.

إننا جميعا وإن لم نكن مسؤولين مباشرين أو متواطئين مع كل الماَسي التي تحدث وبشكل مستمر، فإننا نُعتبر شهودا على دمار أُمة، وعلى اَلام أطفال ليس لهم ذنب إلا وُجودهم بغير إرادتهم في بقعة أرض تغلي وتحترق. نقف جميعا مستسلمين عاجزين، إلى أن يجرفنا تيار ما لنكون طرفا في الحدث، تغيب كل الأسباب المباشرة والتقليدية للحروب، وتحل محلها أسباب تافهة وغير معقولة على الإطلاق، كأننا خلقنا لنحارب بعضنا ونهاب كل الأمم الأخرى.

وخير ما أختم به هو القصة الحوارية القصيرة، للروائي السوري محمد الماغوط، يدور الحوار فيها بين مواطن متهم وقاضٍ يؤدي دوره القضائي:
– القاضي: ضع يدك على القرآن، وأقسم بأن تقول الحق.
– المتهم: أقسم.
– القاضي: هل كنت بتاريخ كذا… تنادي في الساحات العامة، وأمام جموع العمال والفلاحين، وتماثيل الأبطال، وأفواج السياح، ووكالات الأنباء، بأن الوطن يساوي حذاء؟
– المتهم: نعم!
– القاضي: الوطن حلم الطفولة، وذكريات الشيخوخة، والمفتدىٰ بكل غالٍ وثمين، لا يساوي بنظرك أكثر من حذاء؟ لماذا؟ لماذا؟
– المتهم: كنت حافيًا يا سيدي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان