شعار قسم مدونات

أرض أنهكتها الصراعات

blogs - الصراع في دارفور
تنبع الصراعات والتحديات الأمنية في السودان من اتساع رقعته وإمداده الجغرافي الكبير المتصل بدول جوار ملتهبة متاخمة لأقاليم الصراع فيه، وهذا ما يشكل عبئاً ثقيلاَ على الحكومة. وقد مرَّ السودان منذ الاستقلال بصراعات أمنية دامية في أغلب أقاليمه، وهذه الصراعات كلفت السودان عددا كبيرا من الأرواح وأنهكت الخزينة العامة للدولة، وزيادة على ذلك، أدى انعدام الاسقرار في مناطق الصراع إلى مشاكل ديمغرافية بسبب نزوح عدد كبير من ساكني هذه الأقاليم إلى الأقاليم المركزية، بدوره أدى إلى زيادة الكثافة السكانية فيها وتسبب في خلق أزمة اقصادية وفوارق طبقية كبيرة بين النازحين الجدد والمواطين القدامى ونجد ذلك واضحاَ في كل من ولايتي الخرطوم والجزيرة.

– صراع الجنوب:
بدأ الصراع في الجنوب قبل الاستقلال في عام 1955 بدعوات للانفصال عن السودان، واستمر هذا الصراع حتى عام 2005 مع فترات من الهدن في الثمانينيات، وتقدر الأرواح التي اُزهقت خلال هذا الصراع بنحو مليوني نفس سودانية. أمَّا آثار الخراب والنزوح في الجنوب فوصفت بالكارثية، حيث تركت الحرب المناطق الجنوبية بلا أدنى مقومات للحياة من تعليم وبُنى تحتية وصحة ورعاية، وتحت هذه الظروف نزح آلاف من المواطنين الجنوبيين إلى دول الجوار وإلى الأقاليم الشمالية، وشكلت هذه العوامل ظروفا صعبة أدت إلى انخراط شباب الجنوب في الصراع واستغلتهم حركات التمرد في صراعها مع الحكومة.

دخول الحكومة السودانية عام 2006 في مصالحة مع حركات الشرق وأبرمت اتفاقاَ مع جبهة شرق السودان وأطلقت مشروع إعمار الشرق.

وقد انتهت الحرب بين الأطراف المتصارعة بالوصول إلى اتفاقية نفاشا 2005، والتي أعطت الجنوبيين حكما ذاتيا وأشركتهم في السلطة، تعد مرحلة انتقالية لتقرير المصير. وبعد خمس سنوات قرر الجنوبيون الانفصال عن السودان في استفتاء 2011، ليكون الجنوب دولة مستقلة عن السودان. وبعد انفصال الجنوب اشتعلت الصراعات من جديد، وهذه المرة في حدود السودان الجنوبية المتاخمة لدولة الجنوب الوليدة، وكأنما القدر يحتم على السودان صراعاَ دائماَ مع جنوبه.

– صراع دارفور:
قد يكون الصراع في الجنوب مع الحكومة ذا طابع ديني كما ينسب له أكثر من أنه قبلي، لكن في دارفور كان الصراع قبلي بالدرجة الأولى، وله امتدادات تارخية انفجرت في عام 2003، حيث أصبحت قضية دارفور تحتل الصدارة في المنابر العالمية، وأصدر مجلس الأمن الدولي في حقها قرارات كثيرة وتم تدويل القضية. وبعد ذلك تفاقم الصراع في دارفور والذي نتج عنه اضرار اقتصادية وامنية اثَّرت على السودان وعلاقاته بالخارج، واتهمت فيه الحكومة بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي مما ادى إلى تحويل ملف هذه القضية إلى المحاكم الدولية بقرار من مجلس الامن، وقامت المحكمة حينئذ بإصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من المسؤولين السودانيين على راسهم الرئيس البشير.

الصراع في الشرق نتج عن التهميش الذي تعرض له الإقليم من الحكومة المركزية، فمنذ استقلال السودان والشرق يعاني الافتقار إلى البُنى التحتية وإلى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
الصراع في الشرق نتج عن التهميش الذي تعرض له الإقليم من الحكومة المركزية، فمنذ استقلال السودان والشرق يعاني الافتقار إلى البُنى التحتية وإلى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

إنَّ المتضرر الأول من الصراع الدارفوري هم أهل دارفور، مما وقع عليهم من قتل وتشريد وخراب في الأموال والأنفس. حيث تشرد الآلاف في باقي الأقاليم، ونزح الآلاف إلى دول الجوار وجزء كبير منهم بقي في معسكرات داخل دارفور. ووقعت الحكومة مع عدد من الحركات المسلحة وثيقة الدوحة لسلام دارفور وإعلان وقف لإطلاق النار وتشكيل آلية حكم للإقليم.

غياب الرؤية الأمنية من قبل كل الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال 1956، أدى إلى تراكم المشاكل وصعوبة حلحلتها.

– صراع الشرق:
إنَّ الصراع في الشرق نتج عن التهميش الذي تعرض له الإقليم من الحكومة المركزية، فمنذ استقلال السودان والشرق يعاني الافتقار إلى البُنى التحتية وإلى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ومنه بدأت بعض قبائل الشرق تطالب بتعديل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لكن كانت ردة الفعل على هذه المطالب بطيئة جداَ من قبل الحكومة المركزية. وعدم تنفيذ هذه المطالب أدى إلى قيام بعض الحركات التي استفادت من جغرافيا الشرق الحدودية المجاورة للدول الثلاثة (مصر، أريتريا، وأثيوبيا) حيث وجدت الدعم والتدريب فيها. فشرق السودان مرتبط بدول القرن الأفريقي كلما حصل فيها نزاع أو موجة جفاف تأثر فيها الشرق بسبب النزوح من هذه الدول، وممّا زاد المشكلة تعقيداً امتداد قبائل الشرق في دول الجوار حيث يكسبها دعماً معنوياً ومادياً. في عام 2006 دخلت الحكومة السودانية في مصالحة مع "حركات الشرق" وأبرمت اتفاقاَ مع "جبهة شرق السودان" وأطلقت مشروع إعمار الشرق، وتُعد هذه اتفاقية هشة، وممّا يُرجَّح رجوع التمرّد والانفلات الأمني مرة أخرى.

– التحديات الأمنية:
إنَّ المعارضة المسلحة (التمرد) هو العائق الأمني الأول في السودان بسبب اتساع أرضه وتنوعه العرقي والثقافي والقبلي، وهنالك عوامل كثيرة تقف خلف المعارضة المسلحة ومن أهمها:

1- افتقار الدولة إلى البُنى التحتية ومشاريع الإعمار، والوضع الاقتصادي المزري، وانعدام وجود التنمية المستدامة حتى ينصرف أبناء وشباب السودان إلى الإعمار بدل تركهم فريسة الحرب والتمرد. بالإضافة إلى العمل على إيجاد استراتيجية أمنية شاملة للمشاكل الأمنية، آخذين في الاعتبار التنوع العرقي والقبلي، ودول الجوار والمؤثرات الداخلية والخارجية.

2- انعدام التوزيع العادل للسلطة والتمثيل الكافي لكل الأقاليم في السلطة المركزية أو فصلها عن سياسة المركز عبر سياسة الفيدراليات. تتهم الحركات المعارضة والحركات المسلحة الحكومة السودان بأنها حكومة نخبة شمالية لا تمثل كافة أهل السودان، وأيضا تتهم الحكومة بعدم توزيعها العادل للثروات.

3- الصراعات القبلية على الموارد، لها تاريخ قديم وخاصة القبائل الرعوية مع القبائل صاحبة الزرع والأراضي الزراعية.

إن غياب الرؤية الأمنية من قبل كل الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال 1956، أدى إلى تراكم المشاكل وصعوبة حلحلتها. التحديات الأمنية التي يواجهها السودان هي اتساع أراضيه، وكثرة دول جواره، ما يحتم على الحكومات دارسة تضاريسه ومعرفة تنوعيه الاثني والجغرافي، وكيفية أدارت هذا الرقعة الشاسعة من الأراضي والتنوع العرقي والقبلي بإدارة واعية وتوزيع عادل للسلطة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.