شعار قسم مدونات

بلادُ العرب خذلاني..

مدونات - الأقصى
أكبر غلطة "مقصودة طبعاً" قام بها الحكّام العرب هي منع المواطنين العرب من زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلّة بحجة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي. إلا أنّ الخاسر الحقيقي هنا لم يكن الإسرائيليين بل العرب والمسلمين الذين يُشاهدون الاحتلال الصهيوني يقتحم باحات المسجد الأقصى ويمنع إقامة الصلاة ورفع الأذان. ولأول مرة منذ عام ١٩٦٩ يتم منع إقامة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى. وبينما الصهاينة يصولون ويجولون في القدس المحتلّة، الحكّام العرب مشغولون إمّا بقتل شعوبهم وقمعهم أو بمحاصرة جيرانهم وبقذفهم بالاتهامات الكاذبة، لا وبدون أي خجل أصبح دعم فصائل المقاومة الفلسطينية تهمة يُعاقب عليها.

الحقيقة هي أنّ الحكّام العرب لم يهتّموا كثيراً للقضية الفلسطينية ولم تعنِ لهم الكثير. فهم ببساطة استخدموا القضية الفلسطينية من أجل توطيد قوّتهم واستغلال شعوبهم. فلم يُقدّم الحكّام للقضية الفلسطينية أكثر من شعاراتٍ استخدموها لحشد الشعوب ضد "العدو" وتبرير ديكتاتوريّاتهم وقمعهم للحريات بحجة محاربته. مركزية الصراع العربي-الإسرائيلي لم تكن في سبيل تحرير فلسطين وإنّما من أجل أن تحافظ الدول العربية على مصالحها وخصوصاً تلك الدول المجاورة لفلسطين.

فالاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ باحتلال فلسطين فقط بل احتلّ سيناء من مصر والجولان من سوريا وجنوب لبنان والضفة الغربية من الأردن. احتكاك هذه الدول مع الاحتلال جعل من هذه القضية مركزية ليس من أجل الأمة بل من أجل المصالح والحسابات. أما الآن فلم تعد القضية الفلسطينية موجودة على الأجندة العربية، بل أصبحت المنطقة منشغلة بالصراع السني-الشيعي وتبعاته. أنا شخصياً لا أرى إيران أخطر من إسرائيل ولا أقبل تهميش القضية الفلسطينية لحساب أي صراع آخر.

لا يُمكن للمنطقة أن تنعم بالاستقرار والحرية في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي. لا يمكن للشعوب العربية أن تتحرّر من قيود جلّاديها طالما الاحتلال الاسرائيلي مستمر وباقي.

فلطالما كانت القضية الفلسطينية مركزية وأساسية للشعب العربي والمسلم، وهذا ما يجعل إسرائيل قلقة من أي تغيير في الأنظمة الحاكمة في المنطقة. بغض النظر عما يُدعى بمحور المقاومة، المهم بالنسبة لإسرائيل هو راحة بالها وهدوء حدودها. فمَن أكثر غبطة من الاحتلال عندما يرى الدول العربية تتناحر فيما بينها وتحاصر جيرانها وتمنع عنهم كل مقوّمات الحياة؟ مَن أكثر سعادة من إسرائيل عندما ترى بعض الدول العربية وهي تتهم واحدة من أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتمنع دعمها؟

مَن أكثر راحة من إسرائيل عندما ترى الثورات المضادة للربيع العربي (والانقلابات العسكرية) تنال من الشعوب وتنكّل بهم أكثر من الأنظمة القديمة؟ معبر رفح لا يتم فتحه إلا بإذن من الاحتلال وجنود إسرائيليون يقتلون مواطنين عرب في عمّان ويفلتون من فعلتهم. ومن ثم يتصّل بعض الملوك بإسرائيل ويترجّونها لفتح أبواب الأقصى أمام المُصلّين! أيُّ حالٍ وصلنا إليه؟؟ فالعرب يشاهدون المسجد الأقصى يتم تدنيسه كل يوم من قبل المستوطنين وليس لهم لا حول ولا قوة.

قد يقول البعض أنّ الشعوب العربية لديها الكثر من المشاكل وليس القضية الفلسطينية فحسب. ولكن القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية وهي القضية الأم. ولا يُمكن للمنطقة أن تنعم بالاستقرار والحرية في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي. لا يمكن للشعوب العربية أن تتحرّر من قيود جلّاديها طالما الاحتلال الاسرائيلي مستمر وباقي.

ومن ثم ماذا قدمت الدول العربية لفلسطين؟ حق العودة الذي تصرّ الدول على الالتزام به ليس من شأنه حماية حق الفلسطينيين بالعودة وإنما إبقاء الفلسطينيين كلاجئين دون وطن ولا دولة. الفلسطينيون ليسوا ضيوفاً وإنما أهل وأقارب وأرضهم أرضنا وأرضنا أرضهم. مهما قدّمنا لإخواننا المرابطين وأخواتنا المرابطات في الأقصى فهو لا يوفيهم حقّهم. وأستحضر هنا نشيد "بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدانِ، ومن نجدٍ إلى يمنٍ، إلى مصرَ فتطوانِ" وأستبدله بالقول "بلاد العرب أوجاعي وخذلاني"..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.