شعار قسم مدونات

في ذكرى معركة أنوال

مدونات - معركة أنوال المغرب

في يوم 21 يوليو 1921 دارت واحدة من المعارك الخالدة في التاريخ الإسلامي والإنساني، إنها موقعة "أنوال" الكبرى، بقيادة المجاهد الفذ، والأسد الهصور، الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، قائد ثورة الريف، ورئيس جمهوريته، ضد الجيش الإسباني العرمرم بقيادة الجنرال "سيلفستري"، والتي سطر فيها الريفيون البسطاء ملحمة، تردد صداها شرقا وغربا، ولا زال التاريخ يحتفظ بذكراها.

لقد كانت أول نصر يحققه المسلمون المحتلون المستضعفون على قوى أوروبية كبرى، بعد مضي زمان على دخولهم متحف التاريخ، وانصرافهم إلى هامش الحضارة الإنسانية، وبعد عقود من وقوعهم تحت الاستعمار، وتحولهم لمجرد شتات تتوزعه ربوع الإمبراطوريات الأوروبية الحديثة.

كانت أنوال مفاجئة كبرى، بل كانت صدمة كهربائية سرت في الجسد الإسلامي الميت كله، فأعادت بعث النبض فيه، ومن يومها باتت قضية عودته للحياة مسألة وقت، وفي المقابل كانت لغما انفجر في وجه الغزاة والعتاة، وأنذرهم أن يحذروا هذا المارد النائم، واستلزم حشد كل قوتهم لوأده في المهد.

إن المخيف في تجربة الأمير الخطابي، ليس معركة أنوال الخالدة فحسب، بل هو أسلوب الحرب الذي ابتدعه في مواجهة الجيوش الحديثة، وأتى أكله، بل أكثر من ذلك؛ هو نظام الحكم الذي أسسه ووطده على غير سالف في المنطقة كلها، وبات يقلق الاستعمار وأذناب الاستعمار، إنها جمهورية الريف الشهيدة.

لقد تأسست جمهورية الريف، تحت قيادة المجاهد الكبير الخطابي، في يوم 18 سبتمبر 1921، وهيي أول جمهورية مستقلة قامت في المغرب والعالم العربي والإسلامي، وتمتعت بالسيادة الكاملة على أرضها لمدة خمس سنوات
لقد تأسست جمهورية الريف، تحت قيادة المجاهد الكبير الخطابي، في يوم 18 سبتمبر 1921، وهيي أول جمهورية مستقلة قامت في المغرب والعالم العربي والإسلامي، وتمتعت بالسيادة الكاملة على أرضها لمدة خمس سنوات

إنه كما وصفه أحدهم: عبقري فذ من عباقرة الإسلام، عبقري سياسة وعبقري حرب وقبل ذلك كله فهو عبقري نهضة حضارية اجتماعية، عرف معاصروه مكانته ومنزلته ولكن الأجيال الجديدة تكاد تنساه ولا تفيه قدره. شخصية عظيمة قامت بأعمال كبيرة في سبيل تحرير بلدان المغرب، ولد بأجدير سنة، 1882 حفظ القرآن الكريم على يد والده، ثم انتقل إلى فاس، فتخرج من جامعة القرويين سنة 1908، ثم من جامعة مدينة شلمنقة الإسبانية، التي درس فيها القانون الإسباني لمدة ثلاث سنوات، اكتسب ثقافة مزدوجة؛ عربية إسلامية وغربية اسبانية، أتقن العربية والأمازيغية والإسبانية، اشتغل بعد تخرجه معلما وقاضيا في مدينة مليلية، وبلغ أرفع درجة في سلك القضاء، وبموازاة ذلك عمل في الصحافة والكتابة، وبعد انطلاق حركة المقاومة الريفية ضد الوجود الإسباني ومقتل والده مسموما، خلفه في قيادة الثوار سنة 1920.

لقد تأسست جمهورية الريف، تحت قيادة المجاهد الكبير الخطابي، في يوم 18 سبتمبر 1921، وهي أول جمهورية مستقلة قامت في المغرب والعالم العربي والإسلامي، وتمتعت بالسيادة الكاملة على أرضها لمدة خمس سنوات، في الوقت الذي كان العالم الإسلامي محتلا من شرقه لغربه.

أعلنت جمهورية الريف بعد معارك عديدة قادها الريفيون ضد الإسبان، حققوا فيها انتصارات مظفرة، مثل: "دهار أوباران" و"سيدي بيبان"، ثم كانت أشهر المعارك، ملحمة أنوال الخالدة يوم 21 جويلية 1921، التي تختلف التقديرات حول نتائجها، لكن الخلاف فقط حول الرقم المهول لقتلى الإسبان، ويرجح أنه سقط فيها أكثر من 13 ألف أسباني قتيلا، بما فيهم قائد الجيش الجنرال "سيلفستري"، الذي وعد حين زحف على الريف أنه سيشرب الشاي في منزل الأمير الخطابي، لكن التاريخ يثبت أنه شرب وجنوده بولهم، تحت وقع الحصار الذي ضربه عليهم قلة من الريفيين الشجعان، وغنم المجاهدون الذي كان كل زادهم التين والخبز اليابس، آلاف البنادق والرصاص والمدافع وحتى السيارات والشاحنات.

بعدها وحد "مولاي محند" القبائل وأسس الجمهورية، ووضع لها عاصمة "أجدير" وعلما وعملة "الريفان" وجمعية وطنية ودستورا وحكومة وجيشا، وأعتبر يوم إعلان الثورة على الإسبان 18 سبتمبر 1921، هو يوم تأسيس الجمهورية رغم أنها أعلنت رسميا يوم 01 فبراير 1923.

أسس الخطابي بتاريخ 5 يناير 1948، لجنة تحرير المغرب العربي، نزولا عند إحدى توصيات مؤتمر المغرب العربي، التي نصت على تشكيل لجنة دائمة من رجال الحركات الوطنية المغربية مهمتها توحيد الخطط وتنسيق الكفاح المغربي

وفي جويلية 1925 زحف الأمير الخطابي على المنطقة المحتلة من طرف الفرنسيين والتي كان يحكمها السلطان العلوي: "يوسف بن الحسن"، وحاصر فاس ب25 ألف جندي نظامي و50 ألف من رجال القبائل، وكبّد الفرنسيين في معركة واحدة ما يقرب من 6 آلاف رجل، وهدد تهديدا حقيقيا الوجود الفرنسي كله.

فأدى هذا لقيام تحالف إسباني فرنسي وحتى بريطاني ضد جمهوريته وثورته، وجند لذلك نصف مليون جندي إسباني وفرنسي، وأربعمائة ألف جندي مغربي، تحت قيادة الماريشال الريفي "محمد أمزيان"، الذي كان خبيرا بتضاريس منطقة الريف، وبتفاصيل قبائلها وعلاقاتهم ونقاط ضعفهم، ولعب دورا مهما في خلخلة الوضع لصالح القوى الاستعمارية.

أنزل الإسبان جيوشهم يوم 08 سبتمبر 1925 بساحل الحسيمة شمال الريف، وزحف الفرنسيون منن الجنوب، وجرت معارك عديدة، وتم دك الريف بآلاف الأطنان من القنابل الكيماوية السامة وقنابل النبالم وغاز الخردل، التي تعود للحرب العالمية الأولى، فأبيدت مئات القرى، وأنهك السكان بعد سنوات من الحصار والمعارك، وخسر مولاي محند الخطابي 20 ألف جندي، واضطر للاستسلام للفرنسيين كأسير حرب في 25 ماي 1926، لتجنيب الريفيين الإبادة الشاملة، وتم حل جمهورية الريف يوم 27 ماي 1926.

نفي الأمير وعائلته لجزيرة لارينيون الفرنسية، حيث سيقضي 20 سنة معزولا عن العالم منشغلا بقراءة القرآن، وفي ماي 1947 وأثناء ترحيله من منفاه ليكمل سجنه بفرنسا، مرت السفينة التي تنقله عبر قناة السويس، فهرب منها ولجأ لمصر في عهد الملك فاروق، فاحتضنته ورفضت تسليمه، وبقي هناك معززا مكرما.

وكان سبق وصول الأمير الخطابي لمصر انعقاد مؤتمر المغربي العربي في فبراير 1947 بالقاهرة، وتأسيس مكتب المغرب العربي، فلم يتأخر في الانضمام لهذه الخطوة المهمة في سبيل تحرير دول المغرب الرازحة تحت الاستعمار.

الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي  (مواقع التواصل)
الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي  (مواقع التواصل)

أسس الخطابي بتاريخ 5 يناير 1948، لجنة تحرير المغرب العربي، نزولا عند إحدى توصيات مؤتمر المغرب العربي، التي نصت على تشكيل لجنة دائمة من رجال الحركات الوطنية المغربية مهمتها توحيد الخطط وتنسيق الكفاح المغربي، وقد جاء في بند اللجنة الأول: "المغرب العربي بالإسلام كان، وللإسلام عاش، وعلى الإسلام سيسير في حياته المستقبلية".

وعن هذا قال علال الفاسي: "لما نزل البطل الريفي في القاهرة اتجهت أنظارنا جميعا لتحقيق هذه التوصية بكيفية أوسع تحت رئاسة زعيم المغرب العربي ومجاهده الأول وقد كان في الدعوة التي وجهها البطل نفسه للأحزاب المغربية ميسرا لتحقيق هذا الأمل، ولم يكن هناك مخلص إلا وأبدى استعداده لهذا النداء الصادق والرغبة النبيلة" 

التحق به كل قادة التحرير بدول المغرب العربي، من قادة حزب الشعب الجزائري وحزب الاستقلال المغربي والدستور التونسي ومن الوطنيين الليبيين، ونسق بشكل كامل مع الوطنيين الجزائريين وحزب الاستقلال المغربي لتفجير الثورة في الجزائر والمغرب، فنجح الأمر في الجزائر، ونجحت المناورات الفرنسية في إجهاضه بالمغرب.

اتصل الخطابي بدعاة مصر وفضلائها وكبارها، ومنهم الإمام حسن البنا، فأعجب به وبدعوته، وداوم على الحضور للمقر العام للإخوان، ولما وصله خبر اغتيال حسن البنا يذكر من حضر أنه بكى وقال: "يا ويح مصر والمصريين، مما سيأتيهم من قتل البنا، قتلوا وليًّا من أولياء الله، وإن لم يكن البنا وليًّا فمن الولي؟".

اختلف مع حكام المغرب بعد استقلاله وعارض توجهاتهم، ففرض عليه الحصار والتهميش، وتوفي الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي بالقاهرة، يوم 6 فبراير 1963، ودفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة. من أشهر أقوال الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي: "ليس في الحرية حل وسط".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.