السعادة موضوع شائك جداً، يمكن لكل شخص أن يدلي فيه بدلوه، لكن دعني أسألك شيئاً، "هل أنت حقاً تعيش سعيداً"؟ .. سؤال بسيط إلا أننا كثيراً ما نقف عاجزين على الإجابة عليه، ونغرق في تفكير عميق ما بين نعم ولا، تبدأ التساؤلات تلهث سريعاً في نفسك، وتغرق في أفكار عميقة قد تبدأ من هذا السؤال البسيط، وتنتهي في إمكانية قيامك برحلة تجوب بها العالم، والتي ربما تجعلك أكثر سعادة مما أنت عليه.
الشعور بالسعادة أمر مشترك بيننا جميعاً، لكن أحياناً بعض الناس يفقدون الاستمتاع به، بالاستسلام لتشويش عقولهم بألم الماضي وذكرياته المرة، أو بالقلق على المستقبل والخوف من مفاجآته، التي تعتبر بالنسبة إليهم مجهولاً يقض مضاجعهم ليحرمهم من التمتع بحاضرهم كما هو، لذلك نجد بعض الأشخاص يجهلون معنى السعادة الحقيقية رغم أنهم قادرون على صنعها بأيديهم، إلا أن إحساسهم بالضياع في أغلب الأحيان يحول هذا الشعور الرقيق اللطيف لحلمٍ أقرب بكابوسٍ يؤرقهم ويمنعهم من استحضاره في أصغر التفاصيل وأبسطها.
يعتقد الكثير من الناس أن السعادة تعني أن تشعر بمشاعر إيجابية طوال الوقت، لكن الحقيقة أن هناك فرق بين المشاعر والسعادة، فالمشاعر هي حالة مؤقتة تشعر بها كرد فعل نتيجة لحدث ما أو ظرف ما، لكن السعادة هي حالة عامة تعيش معها، والسعادة مفهوم غير ثابت يحتمل الكثير من المعاني، فما قد تعنيه السعادة لشخص ما ربما يكون قمة الحزن لشخص آخر، فما يسعدك ليس بالضروري أن يسعد غيرك، لذلك فالسعادة من الممكن أن تكون في المال أو في العمل، في الزواج والأولاد، في وجود بعد الأشخاص في حياتك، في مساعدة الآخرين، في التدين والتقرب من الله تعالى، في رسم البسمة على وجوه الناس، في أشياء كثيرة في الحياة قد نتفق أو نختلف عليها لكنها تؤدي في النهاية إلى الشعور بالسعادة.
جميعاً نتفق في جمال لحظات السعادة التي تتسلل إلى دواخلنا بين الحين والآخر فتغير من ملامحنا وسلوكنا، تفتح أعيننا على أركان في الحياة لم نعتد أن نراها، تصيب قلوبنا بلذة لا مثيل لها |
هل يمكن أن نشتري السعادة؟ .. يقولون أن السعادة لا تُشترى بالمال، لكني أعتقد من وجهة نظري أنه من الممكن أن تُشترى بأشياء أخرى كثيرة أهمها: القناعة والرضا..
هل يمكنك إحصاء ما لديك من نِعَم؟ هل يمكنك حتى الشعور بها؟.. ابتداءً من هذا الجهاز الذي تقرأ من خلاله المقال، والإنترنت الذي استطعت الحصول عليه، انتهاءً بقدرتك على القراءة والتي يُحرم الكثير منها في هذا العالم، فأنت حقاً في نعمةٍ كبيرة لا تشعر بها كفيلة بأن تجعلك سعيداً، أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى إن أخذتها في حسبانك ستعلم جيداً أن السعادة تبدأ في القناعة بما عندك والرضا بها، القناعة أنك أنت بنفسك من ستصنع سعادتك ولن يصنعها لك أحد أخر، الرضا بأنك تستطيع أن تصنع السعادة من أبسط الأشياء التي تملكها، ولكن هذا لا يعني أن تكون غير طموح ولا تسعى للأفضل في حياتك، وتقبل بواقع قد يكون غير مناسباً، لكن عدم السخط والرضا على الوضع الذي أنت فيه، والسعي لتكون أفضل هي المعادلة المطلوبة لتحقيق ذلك.
صحيح قد يختلف كثير من الناس في النظر إلى السعادة من هذا المنظور، لكننا جميعاً نتفق في جمال تلك اللحظات من السعادة التي تتسلل إلى دواخلنا بين الحين والآخر فتغير من ملامحنا وسلوكنا، تفتح أعيننا على أركان في الحياة لم نعتد أن نراها، تصيب قلوبنا بلذة لا مثيل لها، لذة تسري بسرعة التيار الكهربائي في الجسد فتعيد له الحياة تماماً كما يفعل الأطباء لإسعاف المرضى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.