لقد اكتمل تحرير الموصل، والذي يحمل قيم مادية ومعنوية كبرى، للعراقيين، ومن غير المرجح أن تقوم الدولة الإسلامية مرة أخرى بالسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في المستقبل. في حين أن السنوات الثلاث الماضية كانت وحشية، ستكون الفترة القادمة عادلة لأولئك الذين فقدوا الأمل في مناطق الحرب. ومع ذلك، في حين أن هناك أسبابا للاحتفال، فإن نهاية ما يسمى "الخلافة" لا يعني نهاية داعش: التنظيم الإرهابي لا يزال يسيطر على مناطق ذات أهمية استراتيجية، مساحات أصغر من الأراضي في أماكن مثل الحويجة وتلعفر، ستكون العمق الرئيسي للتنظيم والتي ستسمح له بمواصلة الهجمات الإرهابية.
بتحرير الموصل، يتعين على الحكومة العراقية الآن أن تواجه التحدي الأكثر صعوبة على المدى الطويل المتمثل في مواجهة الجماعات المسلحة، وإعادة السيطرة والأمن، من خلال إعادة بناء البلاد والتوفيق بين مجتمعاتها وفصائلها السياسية والعمل على "الاجماع الوطني". قد أدت الحرب على داعش إلى أزمة إنسانية، فقد حولت عدة مدن عراقية إلى حُطام خلال العمليات العسكرية، وأحالت أكثر من 3 ملايين شخص، إلى مخيمات النزوح، بينما يحتاج 11 مليون شخص إلى المساعدة، وفقا للمنظمات الدولية.
يجب على المدن المُحررة ألا تكون أبدا تحت رحمة حكومة يُنظر إليها على أنها طائفية من جهة، ومعاقبة الميليشيات من الجهة الأخرى، فالميليشيات تستغل هذه المخاوف لتعظيم دورها في معارك الصراع على النفوذ في المناطق ما بعد التحرير |
إن إعادة تأهيل المجتمع، والاقتصاد، وسد الخلافات بين شرائح المجتمع العراقي فيما بينها، أمر أساسي لضمان عدم منح الإرهاب الفضاء والظروف التي تمكنه من تعبئة المؤيدين له وشحنهم أو تجنيد مقاتلين جدد. لكن هل ستستفيد الحكومة العراقية من هذا الانتصار؟ ليس هناك ما يشير إلى أن الحكومة لديها الرؤية القادرة لنقل البلاد إلى الأمام، هذه هي، على كل حال، طبقة سياسية تلقت بلايين الدولارات، على مدى العقد الماضي، ومع ذلك لم يكن لديها ما يمكن لإظهاره على الأرض بل كانت مشكلات الحكم والاقتصاد والأمن لصيقا دائما بالعراق.
رئيس الوزراء حيدر العبادي يستحق الإشادة على أسلوبه في قيادة الحكومة منذ أن حل بديلا لسابقه نوري المالكي في عام 2014 ومع ذلك، فإن احتمالات الاستقرار ضئيلة بسبب عدم وجود إطار يمكن أن يُوفق الخلافات بين الطبقة السياسية خصوصا مع التكثيف المتصاعد بين الجهات المتصارعة على السلطة والنفوذ، بدءا من الأحزاب ومجموعة الميليشيات إلى العشائر والقوات الكردية.
ستعود "داعش" ربما بأشكال أخرى ما لم تنشأ حكومة ذات سيادة ومصداقية وشرعية قابلة للمضي قدما في الإصلاح وإعادة الاعمار، وبعيدا عن المحاصصة العرقية والطائفية. يجب على المدن المُحررة ألا تكون أبدا تحت رحمة حكومة يُنظر إليها على أنها طائفية من جهة، ومعاقبة الميليشيات من الجهة الأخرى، فالميليشيات تستغل هذه المخاوف لتعظيم دورها في معارك الصراع على النفوذ في المناطق ما بعد التحرير.
تهيمن حاليا الميليشيات الموالية لإيران على المشهد، دونما اكتراث بسيادة الدولة أو احترام لمؤسساتها ورموزها، بتحدي الحكومة، بتصريحات قادتها، وأفعال المنتسبين إليها، والذين يمثلون مشكلة مستمرة للدولة العراقية. لكن هذه الميليشيات تُخطط للسير في أماكن أكثر – فقد استفادت من الحرب على داعش لتأسيس نفسها بأشكال مقبولة، خاصة في تلعفر، والتي تقع بالقرب من المناطق المتنازع عليها والتي تشكل نقطة عبور مهمة لتعزيز المقاتلين في سوريا (تقاتل الميليشيات العراقية والنظام الإيراني دعما لنظام الأسد).
إن وجود هذه المجموعات لا يُبشر بالخير بالنسبة لأزمتيّ السلطة والسيادة في العراق. ويخشى السكان بسبب الطائفية وانتهاكات حقوق الإنسان، التغيير الديموغرافي وعمليات الإذابة والتهجير والقتل على الهوية، فلا يمكنهم العودة الي مناطقهم بعد التحرير من الارهاب، وليس من الواضح أن الحكومة ستقوم بعمل بديل يُرضي الأطراف في المناطق المحررة لحل ومعالجة مخاوف وتظلمات السكان هناك، مشكلات تلك المناطق ليست أمنية فقط بل مسائل اعادة التعمير، والدعم الدولي الذي تعتمد عليه. لن تكون هناك فرصة أخرى للعراق ما لم تبدأ الحكومة باستثمار التوقيت والجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب.
وسط منظومة الفساد الذي تعاني منه الحكومة العراقية، ظهر لدينا مجتمع مدني قوي، ونخب ثقافية في السنوات الأخيرة، والتي تمثل آمال المستقبل. المجتمع المدني في العراق نجح في نشر القيم الوطنية، وكشف المتطرفين والميليشيات والطبقات الفاسدة ببذل الجهود لتعزيز التعددية والتعايش، ومحاسبة السياسيين، فالشعب الأن في وضع أفضل للقيام بذلك من الجهات الخارجية، ولكنه يفتقر إلى الدعم الكافي للقيام بهذا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.