شعار قسم مدونات

منطق الخونة.. لوم الضحية على مقاومة الجلاد

مدونات - اعتقال فلسطيني

كم من المضحك المحزن في آن مشهد أحدهم يشرع في وضع مسحوق تجميل، تأخذه الحماسة فينقلب التجميل وبال عليه ويخرج بوجه مهرّجٍ بدلاً من وجهٍ مخفيّ العيوب. هذا تماماً ما يحصل عندما يظنّ أحدهم أن تبرير ظلم الظالم وتجريم صاحب الحق هو جزء من معادلة الموضة التي يسعى من خلالها ضعاف الشخصيّة لسد عجزهم ونقصهم والصراخ في الناس: ها أنا، على قاعدة "خالف تعرف" لتحقيق مغنم ما حتى لو كان مُلهمهم في هذا ذاك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم ليذكره التاريخ.

لم يعد غريباً -ولو كان نادراً- أن تجد من يوجه إصبع الاتهام لشباب فلسطينيين جاؤوا من وسط تحدّيات التهويد بسلاح من صنع محليّ ليقاوموا عدواً محتلاً يحمل مشروعاً إحلالياً سادياً ينتهك الإنسانية والشجر والحجر وينتهك حرمة مسجد يرتبط عقدياً بثلث أهل الكرة الأرضيّة. من منّا لم يشاهدهم في واحدة من أغرب النوادر عندما يعلقوا منتقدين المقاومة بتبريرات عجيبة جداً يبتكرها هؤلاء بعناية: فتجده ينتقد عملية بالقدس بحجّة حرمانه من الصلاة بالأقصى ولا يدري أن المقاومة -ولا شيء غيرها- هي ما تسمح له أن يصلّي بالأقصى حتى الآن ولنا في انتفاضة القدس خير دليل حين شكّلت حالة ردع حقيقي ضد انتهاكات الاحتلال للأقصى ومحاولة التمهيد الفعلي لتقسيمه التي بلغت ذروتها قبيل الانتفاضة بقليل.

كيف يستسيغ المرء أن ينتقد مقاومة شعب مسلوب الأرض والحياة لمغتصب حقوقه؟ هل علينا فعلاً التذكير في كل مرّة للبعض أن كل محتل صهيوني غاصب هو هدف للمقاومة

وتراه ينتقد عملية بالأقصى بحجّة أنها ستشكّل مبرراً للإغلاق والتقسيم والتهويد وكأن الاحتلال عاجز عن افتعال أي سبب ليمرر مخططاته، أو كأننا عرفنا غير الرباط والمقاومة صمام أمان ضد هذه المخططات، بل قد وصل ببعضهم الانهزام الفكري بعيداً لأن يقول أن صلاة الصهاينة بالأقصى هي جزء من "حرية العبادة " و"التعايش".

ينتقد بتبجّح عملية بالضفة بحجّة الاعتقالات أو الأسر أو تعطيل الحياة وكأنه قد تحققت الحريّة لأسير يحمل ولو مؤبداً واحداً طيلة عمر القضيّة إلا من خلال ثقافة المقاومة وصفقاتها التي تكمّل بعضها في كل مناطق فلسطين، بل شطح ذات مرّة أحد من يطلق على نفسه شيخ وله مريدوه -وكم ظلم هذا اللقب- شطح ليقول لنا حرفياً مستهجناً "ناس بطعموك وبسقوك تروح تطعنهم" ويقصد الاحتلال .

وأمّا في الأراضي المحتلة عام الثمانية وأربعين وعن مقاومة أهبنا هناك فحدّث ولا حرج عن مبررات نقدهم مقاومتهم رغم كل الصعوبات فتجد مثلاً تبرير "سيتم التضييق على العمال وعلى مصدر رزقهم ويحرمهم من الحياة بأمان" وكأنّها حصلت في التاريخ أن يجلس صاحب البيت مع السارق بنفس البيت بطمأنينة .وحتى غزّة – آه والله- لم تسلم من أصحابنا هؤلاء، فإن قاوم الغزّيون قالوا: قد جاروا على أنفسهم، سيؤلمهم الاحتلال، سيفتك بهم، وإن عُقدت هدنه قيل أين المقاومة الجبانة تلك.

توقن بعد كل هذا أن الموضوع لدى البعض ليس "رمّانة" إنما هي "قلوب مليئة" بالجبن واليأس والخنوع حيناً والخيانة وقلب الحقائق أحياناً والفذلكة واستحداث موضة الخيانة المغلّفة بوعي زائف متأثراً ربما بعضهم بتهجين غربيّ والبعض الآخر من مبدأ "ها شوفوني، أنا بطرح شي جديد لم يسبقني له أحد" في حالة ثالثة، ورابعة تتعلق بانتماءات عمياء لطلقات أولى أو نضالات التفّاح .

هل كان يتصوّر بدر شاكر السيّاب عندما قال: "إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون!.. أيخون إنسان بلاده؟" هل كان يظنّ في أسوأ أحواله أن يجد من يتبجّح بخيانته ويضع لها مئة طبقة من مساحيق التجميل؟ كيف يستسيغ المرء أن ينتقد مقاومة شعب مسلوب الأرض والحياة لمغتصب حقوقه؟ هل علينا فعلاً التذكير في كل مرّة للبعض أن فلسطين التاريخية هي حق مقدّس بكل المعايير السماويّة والوضعيّة وأن كل محتل صهيوني غاصب فيها هو هدف للمقاومة الفلسطينية والأمة العربية والإسلاميّة ودمه مهدور بشكل مسلّم به بكل أعراف النضال والتحرر في العالم؟ وأن تلك المقاومة هي فرض بكل وسائلها وبكل زمان ومكان وبشكل مجرّد من أوحال السياسة البعيدة كل البعد عن الوعي باستراتيجيات وتكتيكات المقاومة والنضال، فرض هي وليست على وجه الندب أو الاستحباب فضلاً عن كونها "مكروهة" كما أصبح البعض يدّعي .

للخيانة برأيي أشكال كثيرة، فاليأس الذي يقود لمهاجمة الذات خيانة، وتبرير الظلم لأننا غير قادرين على منعه تماماً هو أيضاً خيانة بشكل أو آخر، والجهل عدو نفسه حقاً.

وسأحاول أن أكون منصفاً في أن غاية البعض بريئة فعلاً في انتقاد عمل مقاوم ما في وقت وظرف ومعطيات ما دون المس بالمقاومة كحق مجرد وأن منطلقات هؤلاء -ولو كنت أراها غير مقبولة إطلاقاً- إلّا أني ربما أتفهمها في سياق تفكيرهم التكتيكي الذي لا يعني بالنسبة لهم تجريم المقاومة كحق ثابت وسبيل للتحرير وإزالة الاحتلال، مثلاً -لا حصراً- أن ينتقد عملاً فردياً غير محكم ولا يثخن في العدو من باب أن دماء مقاومينا ثمينة ولا يجب أن تذهب بثمن بخس.

وبالمقابل فللخيانة برأيي أشكال كثيرة، فاليأس الذي يقود لمهاجمة الذات خيانة، وتبرير الظلم لأننا غير قادرين على منعه تماماً هو أيضاً خيانة بشكل أو آخر، والجهل عدو نفسه حقاً. هل نعيد ونزيد في المثال الذي من المفترض أنه يناسب طلبة في الابتدائية: "يا بني إذا دخل لص بيتك وصفع أمّك وقتل أختك وأخد مالك وحبسك في الغرفة ثم جلس هذا اللص في مصلّاك الصغير الذي صنعه لك والداك، ماذا تظن أن يفعل حينها والدك؟ سيجيب الطفل: أبي شجاع سيقتله بكل تأكيد". أمّا أصحاب الموضة الجديدة سيتميّزوا في تفكيرهم ويستنكروا على الأب مقاومته حتى لا يبرر للص تخريب طقم الكنب أو تدنيس حرمة مصلّى الطفل أو حفظاً لوداد لحظة مع اللص الإنسان المسكين!!

هل ما زال لدينا شك في حاجة هؤلاء لفحص الـ (dna)؟
أو هل يفتينا أنصار نظريّة التطوّر إن كان ثمّة بشر وجد لديهم خلل جيني ما فوّت عليهم التطوّر..؟
هل سقط سهوا ممن نقل عن ديكارت فكتب: "أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود" بدلاً من "أنا خائن إذن أنا موجود"؟
هل من أحد يفتينا لعلّنا نستوعب ما يحصل..؟!

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان