شعار قسم مدونات

ارحمنا يا عم علي جمعة

blogs - علي جمعة
يا علي جمعة.. هلّا رحمتنا ببركة جميع الأيام خاصة يوم الجمعة، ورحمت عقولنا التي ميّزنا الله بها عن البهائم التي تساق! صدقني يا عم جمعة أن الذين تخاطبهم عندما تتكلم هم ممن كرّمهم الله من بني آدم وليسوا بهائم كما يخيّل لك.. لطالما تعوّدنا إذا ما استمعنا لشيخ يتكلم أو يعطي فتوى أن نصغي له إصغاء الجاهل للعالم لعظم العلم الذي يحمله الذي أمامنا ولشعورنا الداخلي أنه أقرب إلى الله منا، إلا معك.. نسمعك إما لنضحك أو لنضحك! لا خيار ثالث لهما، لكن مع هذا الضحك الذي لا يمكن إخفاؤه وإنكاره تغلي الدماء في داخلنا، في ضمائرنا، في عقولنا، في منطِقنا، في إنسانيتنا لأنه انطبق عليك المثل القائل "شرّ البلية ما يضحك".

حلّلت الحرام وانتهكت الحرمات وأفتيت الفساد وحرّضت على القتل وكنت ممن يفسد في الأرض أكثر ممن يصلح، وشوّهت صورة الإسلام بمنطقك وفتاويك وانحرافاتك الفكرية، وتناسيت معها الكثير مما جميعنا متيقنون من أنك قد تعلمته بصفتك دكتور وخريج أزهري من آيات شريفة وأحاديث نبوية من أن

(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) وأن "الظلم ظلمات يوم القيامة" وقول "كلمة الحق عند سلطان جائر هي من أفضل الجهاد" وغيرها كثير مما تعلم ولا نعلم لعل علمك هذا يكن حجة عليك يوم الحق.

لا كلام يعلو على وصف الشاعر معروف الرصافي لحال المتجبرين والمتكبرين والمستقوين والمتآمرين على شعوبنا وأمتنا وديننا في هذا الزمان حين قال: وكم عند الحكومة من رجال تراهم سادة وهم العبيد.

هل أصبحتم يا مشايخ السلاطين، ولن أقول يا مشايخ الأمة، لأن مشايخ الأمة لا يزال فيهم من الخير الكثير، تسكتكم الدنيا بمتاعها من الجاه والسلطان والمال، فتجبرتم على الرعية وأخذتم صف الأقوى والغالب لتكونوا في سلام، والشعوب أمامكم تقتّل وتحرق وتستباح دماؤها وتغتصب نساؤها ويشرّد ويذبّح أطفالها! والمساجد حدّث ولا حرج تُهدم وتُحرق وتُنجّس وأنتم في قصوركم أذيالا لسلاطينكم تنعمون بالراحة والمال!

وها هو الأقصى يتجرأ عليه الصهاينة لما رأوا منكم، والمفترض فيكم أن تكونوا من خيرة الناس، من خيانة وذمم تُباع وتُشترى واستهانة في حقوق شعوبكم المسلمة واستهانة بحقوق المسلمين في شتى بقاع الأرض، واستعراض عضلاتكم على الضعفاء وإذلال رؤوسكم ورقابكم للأقوياء فتصفقون للعدو وتهاجمون من يدافع عن أرضه ووطنه وكرامته وشرفه.. لغة الشرف هذه التي لا يستشعرها إلا أصحاب الضمائر الحية التي لا تساوم بل تقاوم حتى آخر رمق.

ومع كل هذا وكل ما نعانيه وكل ما يجعلنا نشعر بالانكسار، لأن لا حول لنا ولا قوة، فإننا متيقنون أن الحق سينتصر ولو بعد حين، وسنرى خذلانكم ويا رب عجل لنا فيه، فهذا وعد رب العباد الذي لا يخلف وعده (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) وما فرعون وسحرته عنكم ببعيد، والعاقبة للحق مهما طال الانتظار.. هي مرحلة مخاض، مرحلة غربلة واختبار، مرحلة تمحيص الحق من الباطل حتى يجيء أمر الله بإزهاق الباطل وأصحابه (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ).

فقدتم احترامكم لأنفسكم واحترام الشعوب التي أنتم مسؤولون أمام الله عنها، وعن حقوقها التي هُضِمت، حتى عدوكم المستفيد الأكبر منكم هيهات أن يحترمكم لأنه يعلم أنكم خونة ومن يخون شعبه ووطنه لا أمان له، فحتى أعداء هذه الأمة قد نحترمهم في جانب أنهم لم يخونوا شعوبهم ويهينوها ويهضموا حقوقها، بل على العكس، يفكرون فيهم وفي حقوقهم، ليس فقط في الوقت الحاضر بل في المستقبل البعيد والبعيد جداً.

عندما سألوا هتلر قبل وفاته عن أحقر الناس الذين قابلهم في حياته قال: "هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم!" وما أكثرهم في زماننا! وفي النهاية لا كلام يعلو على وصف الشاعر معروف الرصافي لحال المتجبرين والمتكبرين والمستقوين والمتآمرين على شعوبنا وأمتنا وديننا في هذا الزمان حين قال:
وكم عند الحكومة من رجال *** تراهم سادة وهم العبيد
عبيد للأجانب هم ولكن *** على أبناء جلدتهم أسود!
وما أكثر هؤلاء الأسود في غابة الوطن العربي هذه الأيام.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان