شعار قسم مدونات

الشمولية الموؤودة

مدونات - القرآن
جعل كثيرون من فوبيا البدعة عائقا وحاجزا لكل إبداع، وعوضــا أن يتشبثوا بشرع الله كاملا واعتصموا بحبله، بل فعله عكسه فتشبثوا بجزئياته وأصبح أفراد هذه الأمة يلعن بعضهم بعضا ويمقت بعضهم بعضا، فتنازعوا وتهالكوا وتسابوا ففشلوا وذهبت ريحهم، شرع الله يؤخذ كاملا ولا يؤخذ بالجزئيات فهناك من جعل من تزكية الإنسان وصفاء روحه وسريرته هو المراد من الشـــارع الحكيم، بينما أهمل دوره في الحياة الاجتماعية والفكرية ومساهمته في الإقلاع الحضـاري، وهناك من جعل من السياسة والمناصب والكراسي دورا فأهمل بذلك صفاء الروح، وهناك من سعى للتغير في شرائح المجتمعات دون التلفت إلى الأعلى وتغيير البطانة التي في يدها مقاليد الحكم. وكل حزبٍ بما يقتنعون فرحون، كما يردد بعض المرجفين، الذين يشيعون عبارات من مثل: لا علاقة للدين بالسياسة، ولا لتسييس الدين، وضرورة فصل الدين عن الدولة.

حدثت الهزيمة النكراء عندما أمسكنا الإسلام وحصرناه في المسجد، وأصبح الجميع دون شعور يؤسس للعلمنة، وصارت أفكار تروج ها هنا وها هناك عن عدم دخول الدين في حياة النــاس، وأصبح المجتمع ينادي بترك الشرع.

فالإسلام من حيث الزمان دين كل الأزمنة والأحقاب وهو دين الله كله إلى الأرض بأكملها، فهو دين شمول العقيدة والتصور وأستاذية العالم أجمع التي صارت تحارب اليوم، فإننا نعيش اليوم حربا صليبية جديدة ولكن بأشكال أخرى ومتنوعة وصعبة، فهو دين العلم والحياة والكون والمحبة والأخلاق، وكذلك شموليته لكل نواحي المعاملات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ومن قرأ التراث الإسلامي أدرك ذلك ووعاه ولامسه رأي العين.

ورحم الله العز بن عبد السلام حين قال: "من دخل قرية فحدثهم عن الزنا وقد فشت في تلك القرية فقد خان الله ورسوله"، وهذا ما ينتقد اليوم وبقوة في الخطاب الوعظي المسجدي غير المؤسس على ضوابط المناهج العلمية، واعتماده على جانب التأثير والدغدغة العاطفية بأسلوب "الحكاواتي"، واعتماد أسلوب مذيع نشرة الأخبار في سرد الوقائع والمشاكل وما جرى في حياة النــاس، دون الإشــــارة إلى الحلول وأفكار لهذه المعضلات، وصار الخطاب المسجدي في معظمه موجها لمن لا يملك من أمره شيئا، مطلوب إعادة النظر.

حدثت الهزيمة النكراء عندما أمسكنا الإسلام وحصرناه في المسجد، وأصبح الجميع دون شعور يؤسس للعلمنة، وصارت أفكار تروج ها هنا وها هناك عن عدم دخول الدين في حياة النــاس، وأصبح المجتمع ينادي بترك الشرع ومقاصده محصورا خلف أسوار المساجد وجعلوه وهو لا يدرون سورا على قلوبهم، فضرب بينهم بباب ظاهره التحرر والانفتاح وباطنه سلخٌ وتمزيق للقيم.

دولة محمد عليه الصلاة والسلام ما فعلت ذلك بل وتركتهم، وقد تخلف كثير من الرجال في غزوة بدر لأن المبايعة كانت على حمايته داخل المدينة أن لا يمس بسوء أما خارجها فذاك شأن سياسي آخر.

لا فصل بين الدين والحياة، وقد نجحت التربية المحمدية في تنشأة رجال هم رهبان بالليل فرسان بالنهار ونجحت أكثر وأكثر في تكوين عقليات ونفسيات جعلت سجود القلب والجوارح في محراب الحياة، ومن أصدق من الله قيلا: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وكل مقولة من الخلق على الحق مردودة عليهم حتى يشيروا بالحق إلى الحق.

ودين محمد صلى الله عليه وسلم لم يجعل لتديين الناس جبرا، وإنما ترك لهم الاختيار الحر القائم على النماء الروحي الذي يريده الأفراد، فما اتخذ عيونا ولا جواسيس على الناس أبدا وقد أتاه ماعز يجرُّ ذنبه ويقول: (يا رسول الله طهرني). نجح عليه صلاة ربي وسلامه في غرس ذاك الضمير الحي الذي يؤسس على تنمية الروح أعلى وأعلى، ومن هنا نجد أنَّ الإسلام كان شموليا لكن لم تكن دولته شمولية، قد يكون كلامي غريبا نوعا ما، لكنه هو الصحيح بمتعن أكثر؛ أي دولة اليوم في العالم تنادي على جنودها ويأبى أحدهم فإما إلى حبل المشنقة أو أخف الأضرار إلى السجن حتى ولو كانت هذه الدولة قائمة على أسس الديمقراطيات الحديثة، لأنها في الحقيقة هي من تؤسس لعنف مشروع بقوانين نحو أفرادها.

لكن دولة محمد عليه الصلاة والسلام ما فعلت ذلك بل وتركتهم، وقد تخلف كثير من الرجال في غزوة بدر لأن المبايعة كانت على حمايته داخل المدينة أن لا يمس بسوء أما خارجها فذاك شأن سياسي آخر، مثله مثل ما فعل في تبوك وتخلف الكثير عنهم ما حملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيف بل إن القرآن أشـــار أنهم لو خرجوا ما زادوكم إلا خبالا وتثبيطا…شمولية شرع الله واسعة فهي تمسُ كل شيء على الإطلاق قال الله عزَّ من قــــــائل "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.