كانوا يلقبون أنفسهم بألقاب يتفاخرون بها، ومن اطلع على سريرتهم وجدها بلا همة، ولا نخوة أصيلة، وقد أبدع أحد الشعراء الأندلسيين في وصف هذه الحالة، فقال: مما يزهدني في أرض أندلس.. ألقاب معتمد فيها ومعتضد. |
فزادهم الإسلام عزا وشرفا، وجعلهم يتبوؤون مكانة رفيعة بين الحضارات المجاورة، بل صاروا يرهبون أعداءهم لما آلت إليه حالهم، وما زالوا على هذا الحال حتى ظهر عصر الفتن والخلافات السياسية والمذهبية بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والصراع الذي احتدم بين الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان حول مسألة الحكم ومسألة الانتقام من عدمها من قتلة عثمان. فكانت هذه الأحداث النواة الأولى للخلافات والفرقة التي ستطول، وستظهر فيما بعد بأشكال مختلفة في الشرق والغرب الإسلامي.
ففي الحاضرة الأندلسية لنا عبرة أخرى، فبعد انقضاء الحكم الأموي بالأندلس، جاءت فترة عصيبة سميت بعصر ملوك الطوائف، وظاهر التسمية يدل على القطيعة والتعدد والتشتت، حيث تجزأت البلاد إلى عدد كبير من الدويلات المتشرذمة، فأصبح كل ملك يحصن قلوعه ولا يلتفت إلى إخوانه، كأنهم أعداءه الحقيقيين، لا النصارى المتحصنين في الممالك الشمالية في أراغون وقشتالة. فأصبحوا موالين لهم، غير آبهين بقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) في مشهد يخيم عليه الحزن، والغريب في الأمر أنهم كانوا يلقبون أنفسهم بألقاب مشرقية يتفاخرون بها، ومن اطلع على سريرتهم وجدها بلا همة عالية، ولا نخوة عربية إسلامية أصيلة، وقد أبدع أحد الشعراء الأندلسيين في وصف هذه الحالة، فقال:
مما يزهدني في أرض أندلس
ألقاب معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير مواضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
كيف تفترق وهذا الدين يجمعها، وكيف تفترق والكل يعلم العواقب الناتجة عن عدم التمسك بحبل الله. أليس الأولى هو مقاطعة إسرائيل المزعومة، والعمل على نصرة القضية الفلسطينية التي تشكل قضية الأمة الإسلامية. |
إن هذا التفكك والتقهقر الذي هيمن على الحاضرة الأندلسية، مهدت له مجموعة من المقدمات، لعل أبرزها هو البعد عن شرع الله، وموالاة النصارى، ليكون هذا التفكك هو الآخر المقدمة الكبرى التي عجلت بفناء الحكم العربي بالغرب الإسلامي، وطمس معالم الدين الإسلامي، وإن كانت ملامح تلك الحضارة ما زالت قائمة، شاهدة على عباقرة في شتى العلوم والفنون مروا من هناك.
فهذه الأحداث التاريخية التي ذكرناها ليست من باب السرد التاريخي أو التغني بالأمجاد السالفة، وإنما لغاية أشرف مما سبق ذكره، ألا وهي التدبر والتذكر وأخذ العبرة، لأن التاريخ ليس أحداثا وقعت فقط، بل هي دروس وعبر مرشدة لمن تاه في الحاضر. ومن أمعن النظر فيما يقع وجد الصلة بين حال ملوك الطوائف وحال ملوك ورؤساء الدول العربية، ففي الأمس تفرق الجمع واختلف، واليوم صار بعض الزعماء على المنوال نفسه. فكيف تفترق وهذا الدين يجمعها، وكيف تفترق والكل يعلم العواقب الناتجة عن عدم التمسك بحبل الله. أليس الأولى هو مقاطعة إسرائيل المزعومة، والعمل على نصرة القضية الفلسطينية التي تشكل قضية الأمة الإسلامية.
فيا عباد الله، ويا أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، اتحدوا وتمسكوا بحبل الله، ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم. وكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى إليه سائر الجسد بالسهر والحمى. وكونوا بحق كما وصفنا الحق (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).