سنعلم بلا شك أن هناك حملة ممنهجة خفية ترمي إلى شيطنة الثورة والثائرين ومنح صك غفران للأسد وأحلافه وزبانيته ويتولى كبرها للأسف بعض الثائرين الصادقين من حيث لا يشعرون. هل نحن حقاً بهذه البشاعة؟! وهل ثورتنا فعلاً بهذا القبح؟! |
وقد بدأت هذه الحملة قبل مدة بالحديث عن فصائل الثورة السورية وأخطائها وفساد قادتها، ثم انتقلت إلى المجالس المحلية وتابعت بعدها نحو الائتلاف والحكومة المؤقتة مروراً بفساد المؤسسات الإغاثية، لتبلغ ذروتها مؤخراً بالحديث عن نية مئات من أهالي الوعر الذين يقطنون بعض مخيمات الشمال السوري المحرر العودة إلى النظام موصلين بذلك رسالة مفادها (النظام السوري بكل وحشيته وتعذيبه واحتقاره لكل معاني الإنسانية وجرائمه التي طالت الملايين ذبحاً وقصفاً وحصاراً وتجويعاً وتهجيراً أخف وطأة من جرائم الثائرين!).
هذه الحملة تجري اليوم تحت عناوين براقة: كالنقد البناء، أو تسليط الضوء على الظواهر السلبية، أو تطهير الثورة، إلى ما هنالك من تلكم الذرائع، بعض النُّقاد بلا شك صادق في نقده وتحركه الحرقة والغيرة غير أن التوقيت والسير في فلك هذه الحملة ربما ليس مناسباً سيما في مثل هذه الظروف الحساسة والمفصلية من عمر الثورة السورية، فمحاولات إجهاضها سابقاً كانت مستترة خجولة، وأما اليوم فأذرع القتلة المتربصين تمتد إليها جهاراً نهاراً لتنتزع جنين الحرية من أحشائها فتخنقه ثم تواريه التراب.
لا يمكن أبداً لهذه الحملة أن تكون بريئة! ومحال لهذا الزخم الذي ينظر لأخطاء الثائرين بالمجهر (مضخمة مئات المرات) ولجرائم الأسد وميليشياته من فوق الغمام (لتبدو بالغة الصغر والضآلة) أن يكون بلا أيد تحركه أو جهات ترعاه، ولو أضفنا لذلك كله جملة التوافقات الدولية التي بدأ بعضها يطفو للعلن مؤخراً وتعاقب الحديث عن حل سياسي قريب، وتراجع دول كثيرة عن مطالبتها برحيل الأسد، سنعلم بلا شك أن هناك حملة ممنهجة خفية ترمي إلى شيطنة الثورة والثائرين ومنح صك غفران للأسد وأحلافه وزبانيته ويتولى كبرها للأسف بعض الثائرين الصادقين من حيث لا يشعرون. هل نحن حقاً بهذه البشاعة؟! وهل ثورتنا فعلاً بهذا القبح؟!
وهنا لا بد من التأكيد أنني لا أخلع على الثوار ثوب القداسة وأعطاف العصمة، ولا أصورهم ملائكة مقدسين ولا أنبياء معصومين، ولست أنكر فداحة بعض الأخطاء التي تبلغ مبلغ الجرائم التاريخية التي ربما يرسف تحت نيرها أجيال قادمة. غير أننا اتفقنا في بداية هذا المقال أن العنوان الجامع لهذه الثورة هو (ثورة شعب) وهذا الشعب بتنوعه، له ما له، وعليه ما عليه.
فليس لمريض أن يبرأ من داء مزمن عضال أقعده لقرن من الزمن في غضون أشهر معدودة أو حتى في بضع سنين، ومن كان حريصاً على الثورة غيوراً على الثائرين فعليه أن يحسن اختيار التوقيت ويحذر أن يكون أداة لما يجهل، فلا بأس بانتقاد الثورة والتحذير من أخطاء الثائرين عندما تكون الثورة في حالة صعود ومد، لتهذيبها وكبح جموحها، وأما حين تكون مثخنة بالجراح وتشهد حالة جذر وتقهقر (كحالها اليوم)، فعبارات المواساة وكلمات التشجيع والنظر إلى النصف المليء من الكأس هو ما تحتاجه لمنع اغتيالها والنهوض بها مجدداً لتتابع مسيرتها الطويلة والمخضبة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.