شعار قسم مدونات

الحرب على الإرهاب.. ومنطق عمل الاستعارة

blogs - جندي

"إننا نعيش بالاستعارة. فنحنُ نتخيّر كلماتنا من نظام سلطويّ أو إطارٍ استعاريّ يقدّم لنا قاموس محدد من الكلمات التي تؤطِّر طريقة تفكيرنا وطريقة تواصلنا". بهذا المُدخل تُقدّما لنا كل من إيرين ستويتر (Erin Steuter -1963) وديبورا ويلس (Deborah Wills- 1962) كتابهما حرب الاستعارات: الإعلام والدعاية والعنصريّة في الحرب على الإرهاب. فكلتاهما ترى أن الاستعارة تمثّل جانبًا مهمًا من نشاطنا الفكري، وهي تبني تصوّراتنا كذلك وتخلق لنا المعنى. 

الاستعارة لغويًا تعني (النقل). فهي تعمل على الربط بين موضوعين عن طريق الانتقال رمزيًا بينهما، حتى لو لم يكن ثمّة علاقةٍ بين الموضوعين اللذين يتم الربط بهما. بالتالي فهي تنقل المعنى من معنىً إلى آخر جديدٍ أو أكثر اتساعًا أو تجريدًا، وعن طريق التكرار الذي يمارسه الإعلام وتمارسه الدعاية يصير هذا التغيير غير مرئيّ أو مُلاحظ، ويتكوّن نوعٌ من الرأي العام الموحّد ناحيّة قضيّة من القضايا.

إن استعارة الحرب على الإرهاب ترسّخت في العقل بشكلٍ عميقٍ دون انتباهٍ إلى أنها استعارة لشيءٍ آخر وليست وصفًا له. وهذا يستدعي بدوره ردود أفعال مختلفّة ترتبط بمفهوم الحرب على عدوٍ ما، ترتبط بما تحمله الاستعارة من تهديدٍ ورعب. إن خروج الصور المرعبّة لمعتقل أبو غريب -خلال الحرب على العراق- وما رافقه من صور التعذيب الوحشيّة كان جزءًا من عمليّة نزع الإنسانيّة التي بدأت قبل هذا بكثيرٍ عبر تصوير العدو أو الآخر على أنه حيوان أو حشرةٍ أو مرضٍ يجب استئصاله، وليس إنسانًا.

حين تستخدم الحكومات استعارة الحرب على السرطان، أو الفقر، أو المخدرات؛ فإن هذا يعني أن الحكومات تعمل على تعبئة المجتمع من أجل إنهاء المشاكل المهددة للوجود.

كيف تم الوصول إلى هذا؟ تجيب الكاتبتان بأنها تمّت عبر الاستخدام الكثيف للإعلام والدعايّة وكذلك الكاريكاتور السياسيّ والحوارات النقاشيّة في الإعلام التي تعمل على تصوير الآخر بصفاتٍ غير إنسانيّة واستخدام الاستعارات المختلفة الهدّامة التي تنزع عنه الإنسانيّة. بالتالي فإن وجوده في الفكر كحيوانٍ أو حشرةٍ أو مرضٍ جعل من المقبول أن يتم تدميره أو قتله كما يتم قتل الحشرات ومحاربة المرض. 

استخدمت الاستعارة كذلك المنطق الزائف ونقلت العدو من الإرهاب نفسه كفعل، إلى أشخاصٍ محددة، فما دام كل الإرهابيين مسلمون، فبالتالي فإن كل المسلمين إرهابيون. وفي المنطق الذي يفكّر باستعارة الحرب يصير قاموس الكلمات أو المعاني محددًا سلفًا كأي قاموس استعاري. وهو ما لا يؤدي إلى تفسير الأشياء وإنما يتحكّم في الطريقة التي يتم من خلالها رؤية الأشياء، بالتالي تفتح الاستعارة المجال إلى تأويل الأحداث والأمور كلها داخل نطاقها الذي يمنح الأشياء معناها.

ففي الحرب تتم مهاجمة العدو وتطوير تكتيكات الدفاع واستراتيجيّته، وتضمين المعاني الضروريّة لحماية الذات من العدو. في نفس الوقت يتحوّل الهجوم على الآخر/ العدو وتحطيمه إلى أفعالٍ مجيدة وعظيمة. والتحرّك المجتمعيّ ضمن هذا الفهم مهمًا لأنه يعمل على التشجيع والحشد للقوات دون مساءلتها عما تفعله في الحقيقة. فلا مجال للسؤال وقت الحرب، لأنها تحتاج إلى تناغم وتأييد المواطنين للمحاربين الشجعان، وترفض أي مساءلةٍ عمّا يفعلوه أو اعتراضٍ عليّه.

حين تستخدم الحكومات استعارة الحرب على السرطان، أو الفقر، أو المخدرات؛ فإن هذا يعني أن الحكومات تعمل على تعبئة المجتمع من أجل إنهاء المشاكل المهددة للوجود. وحين تطرح استعارة الحرب على الإرهاب، فهذا يعني بالتبعيّة -وفقًا للنظام الاستعاري المستخدم- أنها تمنح نفسها الإذن بفعل كل ما تريد دون مساءلة، وتعطي لنفسها الإذن بكسر كل القواعد وتعدي كل الحدود. إذ لا هوادةً في التعامل مع أي تهديد قوميّ. وبالتبعيّة يتحوّل أي ترددٍ في تأييد ودعم الحكومة في أفعالها هو من قبيل الخيانة القوميّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.