شعار قسم مدونات

اتفاق الرياض على طاولة المناكفات

blogs - السعودية والإمارات
جاءت دول الحصار على قميص العلاقات الخليجية بدم ٍكذب مرة ًأخرى بتسريب صيغة الاتفاق الذي أنهى التوترات والتراكمات بينها وبين دولة قطر عام 2014 تحت عنوان "اتفاق الرياض"، متهمة ًقطر بانتهاك الاتفاق وعدم الالتزام بما ورد في بنوده والتسبب في الأزمة الحالية، دون الإشارة إلى طبيعة تلك الانتهاكات وتقديم ما يدلل على وقوعها.
وعلى أمل أن ينفض الوسطاء الدوليون والإقليميون عن جهود إنهاء الأزمة، ليخلوا لهم من بعدها وجه المجتمع الدولي الذي اهتزت ثقته بجدوى الشراكة الاستراتيجية مع الدول المحاصرة لقطر في الملفات الإقليمية المهمة، اختارت إحدى عواصم الأزمة توقيت وصول وزير خارجية الولايات المتحدة ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي البريطاني مارك سادويل إلى الكويت لتسرب صيغة اتفاق الرياض بطريقة بهلوانية، وذلك في مسعى واضح لتعقيد مهمة المسؤولين الغربين في الخليج وإضعاف جهود الوساطة الكويتية لأسباب تتعلق بحاجة دول حصار قطر لإطالة أمد الأزمة.

هلل رعاة الأزمة بالصيغة المسربة، وانطلقت المنصات الإعلامية واللجان الإلكترونية في تهويل وترويج ما أرادت دول حصار قطر إظهاره على أنها حجة دامغة لا مخرج لقطر من دهاليزها، ولا مفر للوسيط الإقليمي المتمثل بدولة الكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وداعمي جهوده الدوليين من إدانة قطر وتغيير مواقفهم تجاهها، وهو ما لم يتم لها بعد صدور بيان كويتي أمريكي بريطاني بعد سويعات قليلة من تسريب صيغة اتفاق الرياض يدعو جميع الأطراف لإيجاد مخرج سريع للأزمة.

تجهد دول حصار قطر نفسها في إطالة أمد الأزمة، دون الالتفات إلى حاجة الأطراف الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء الأزمة بشكل فوري للتركيز على الملفات الأكثر سخونة في المنطقة، وتتجاهل المخاطر التي ستترتب على تدويل الأزمة.

ولمحاولة فهم وقراءة اتفاق الرياض عام 2014 بين الدوحة ودول الحصار برعاية سعودية آنذاك وبوساطة كويتية، لا بد من وضع الأزمة برمتها في إطارها الدولي والقانوني الصحيح بعيدا عن المناكفات السياسية ومحاولات تحصين الخلافات الخليجية من أية تبعات قانونية تدين المتسببين بالأزمة وتمنح قطر حقوقها السيادية المشروعة، ثم الانتقال لفهم الشق السياسي من الاتفاق.

في الشق القانوني وحسبما نص عليه القانون الدولي، يعرف ما جرى في الرياض عام 2014 على أنه "اتفاق"، ووفق ما أظهرته التسريبات فإن الاتفاق أبرم بشكل سري بعيدا عن القنوات والإجراءات الدستورية في الدول الموقعة في مخالفة واضحة لشروط الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمل صفة الإلزام القانوني للأطراف الموقعة، كما خلى "الاتفاق" من أية ترتيبات توضح الحقوق والالتزامات للأطراف الموقعة، وعليه، فإن "اتفاق" الرياض يخالف جوهر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولا يرتقي عن كونه محضر اجتماع يوضح ما تم التباحث حوله بين الأطراف الموقعة حول القضايا العالقة فيما بينها، كما يخالف "اتفاق" الرياض المادة 7 من النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، والتي تنص على اكتمال نصاب الثلثين لانعقاد المجلس الأعلى الرئاسي لإقرار الاتفاقية، فيما تظهر الوثيقة توقيع 3 زعماء خليجيين فقط.

وفي الشق السياسي، فمن الواضح أن دول حصار قطر اختارت بعناية صيغة قانونية غير ملزمة لما تم في الرياض، تعفي أجنداتها التي خططت لها مسبقا ًمن أية مساءلات قانونية على المستوى الخليجي والدولي، فالاتفاق ينص على توحيد السياسات الخليجية في جميع القضايا والملفات وعدم التدخل في شؤون الدول الخليجية ووقف التحريض الإعلامي، إلا أن الوقائع على الأرض تثبت عدم التزام أبو ظبي بما تم الاتفاق عليه في الرياض، ويظهر ذلك جليا في ملف العلاقات الإماراتية الإيرانية ومستوى التبادل التجاري العالي بين البلدين في أوج المواجهة المفتوحة بين الرياض وطهران، ويقاس على ذلك أيضا الدور الإماراتي في تعطيل الجهود الخليجية بقيادة السعودية لإعادة الشرعية في اليمن واستضافة إمارة أبو ظبي لنجل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، القائد الفعلي لوحدات الحرس الجمهوري اليمني المقاتلة ضد قوات التحالف العربي في اليمن.

كما أظهرت تسريبات البريد الإلكتروني لسفير دولة الإمارات في واشنطن يوسف العتيبي تحريضا واضحا ًضد دولة قطر لدى صناع القرار في الإدارة الأمريكية، وتجلت انتهاكات أبو ظبي لاتفاق الرياض في اختراق وقرصنة وكالة الأنباء القطرية وبث تصريحات مفبركة لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتسخير قنواتها وجيش من الأذرع الإعلامية واللجان الإلكترونية لتشويه العلاقة بين قطر والسعودية، والتحرك لتنفيذ محاولة انقلاب ضد أمير دولة قطر قبل أن تكبح واشنطن هذا المخطط في ساعاته الأخيرة.

ينتظر من واشنطن أن تضع حدا ًلهذه الأزمة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب خلال المرحلة القادمة، من خلال ممارسة ضغوط حقيقية على دول حصار قطر للقبول بتسوية معقولة تحافظ على ماء وجهها من ناحية، وتضمن أمن وسلامة دولة قطر.

تجهد دول حصار قطر نفسها في إطالة أمد الأزمة، دون الالتفات إلى حاجة الأطراف الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء الأزمة بشكل فوري للتركيز على الملفات الأكثر سخونة في المنطقة، وتتجاهل تلك الدول المخاطر التي ستترتب على تدويل الأزمة الخليجية واستعانة أطرافها بالقوى الإقليمية على حساب مصالح الدول الخليجية ومستقبل وحدتها، حيث تمضي دول حصار قطر قدما في تمرير ما بات يعرف بصفقة القرن لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتهيئ المنطقة لتحالفات جديدة لا تراعي خصوصية المنطقة الخليجية ومصالحها الحيوية.

وإلى أن تقر دول حصار قطر موعدا ًمناسبا ًلإنهاء الأزمة بما يلبي احتياجاتها الداخلية والخارجية، ستبقى طاولة المناكفات السياسية التي جمعت وزراء خارجية دول الحصار في القاهرة مفتوحة للمزيد من التحركات العبثية التي تغذي الخلافات وتزيد من الهوة التي باتت تفصل بينها وبين إعادة اللحمة الخليجية إلى سابق عهدها، فيما ينتظر من واشنطن أن تضع حدا ًلهذه الأزمة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب خلال المرحلة القادمة، من خلال ممارسة ضغوط حقيقية على دول حصار قطر للقبول بتسوية معقولة تحافظ على ماء وجهها من ناحية، وتضمن أمن وسلامة دولة قطر وسيادة قرارها من ناحية أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.