ليس الوطن ذلك الذي لا يحزن على موت أبنائه.. فالبعض منهم ضاعت أرواحهم نتيجة الإهمال في المستشفيات لنقص عدد الأطباء، وانعدام الأجهزة اللازمة لإجراء الفحوصات.. وهذا بالطبع إن كان للمستشفى وجود، والبعض الآخر يموت بردا وجوعا في أعالي الجبال، ويَقتُل الجهل أحلام أطفاله يوما بعد يوم لبُعد المدارس واتصَّالها بطرق وعرة أو مقطوعة، فيحلم بعض أبنائه بمغادرته عند أول فرصة تتاح لهم، ظنا منهم أن الفردوس ينتظرهم بالدول الغربية، ورغبة في التخلص من الجحيم الذي يعيشونه.
نموت ونموت ليحيا الوطن، لكن المؤسف أن الشعب يموت دون أن يكترث الوطن لذلك.. الشعب يموت والوطن يحتضر.. قلب الشعب ينبض حبا للوطن دون أن يكون الشعور متبادلا. |
ليس الوطن ذلك الذي تفقد فيه آدميتك لتجد نفسك مجرد أي شيء آخر، إلا أن تكون إنسانا. إذ تخجل أحيانا من جريان دمه في عروقك، وتتملص من ذكر انتمائك له عند كل فرصة تذكر. وما الذي قد تنتظره من وطن ينقل أخبارا زائفة لشعبه رغبة في تضليل وتوجيه الرأي العام نحو ما يخدم مصالح فئة معينة لا الشعب، عبر إعلام تنعدم فيه المصداقية والشفافية.
يكون الوطن وطنا، عندما يضع صناع القرار نصب أعينهم المسؤولية التي وكلت لهم، على أن يخدموا الشعب لا أنفسهم فقط، بالالتفات لمشاكلهم وأخذها بعين الاعتبار، ثم الشروع في تطبيقات عملية بدل اختيار أحسن الأسماء وأعمقها تأثيرا في نفوس الشعب لأكبر البرامج والإصلاحات، دون تطبيق أي منها على أرض الواقع.. سئمنا من كل ذلك، سئمنا من تلك الخطابات التهريجية المتكررة، وأصبح يتهيَّأ لنا أننا نعيش مسرحية هزلية مؤلمة، كان من نصيبنا فيها لعب الأدوار الثانوية.
أتمنى أن تكون لي القدرة والفخر أن أقول يوما ما، أنا عربي ملء حنجرتي، دون أن يفكر المستمع في الخلافات الأهلية والعرقية والسياسية بين العرب، أو يسألني عن تفسير لما يجري، فأعجز أنا بدوري عن التوضيح أو سرد الأسباب، لأن الغموض سيد الموقف، وما نفطنه ليس سوى بعض التبريرات والأعذار التي يعجز العقل والمنطق عن تصديقها أو الاقتناع بها.
نعم، نموت ونموت ليحيا الوطن، لكن المؤسف أن الشعب يموت دون أن يكترث الوطن لذلك.. الشعب يموت والوطن يحتضر.. قلب الشعب ينبض حبا للوطن دون أن يكون الشعور متبادلا.. أعين الشعب تفيض دمعا لسماع النشيد الوطني، وجسد الشعب يقشعر لرؤية شعلة أمل صغيرة تلوح في الأفق.
يجب علينا التوقف أحيانا عن إلقاء اللوم عليه فقط، وبدل ذلك القيام بالعمل والبدء بإصلاح أنفسنا أولا، بالجد والكد والإخلاص والقراءة، فنحن أمة لا تقرأ، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. |
إن لهذا الوطن أبناء يحبونه، يغارون عليه ومستعدون للتضحية بالغالي والنفيس من أجل خدمته وصنع الحاضر والمستقبل، إلا أنني أخاف أن أستيقظ يوما على خبر استسلامهم وانسحابهم من قيادة ركب التقدم. اعْلمْ يا وطني أن الأهل والأحبة متواجدون في أراضيك، ماضينا وتاريخنا موثَّق بين صفحاتك، أرواحنا تأبى أن تتخلى عنك، ولا تريد منك شيئا غير أن تكون أبا لمن لا أب له، وملجأ لمن لا بيت له، وحضنا دافئا لمن لا أم له، ليحس كل من يحمل اسمك بأنه شخص مهم، له قيمة عالية ببلاده، ويستطيع التمتع بوطنيته على أكمل وجه. يوما ما، ستصل يا وطني إلى حقيقة أن من يطالب بالتغيير يحبك حقا، بعيدا عن من يظهر لك ولاء كاذبا ليقضي مآربه الخاصة وينصرف.
دون أن ننسى أن الوطن لا يتحمل كل المسؤولية، فلنا حصة الأسد منها، إذ يجب علينا التوقف أحيانا عن إلقاء اللوم عليه فقط، وبدل ذلك القيام بالعمل والبدء بإصلاح أنفسنا أولا، بالجد والكد والإخلاص والقراءة، فنحن أمة لا تقرأ، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.