وفي محطات عربية أخرى ترى الاستديوهات مكتظة بجهابذة الشرق والغرب من الخبراء والجراحين المتمرسين الذين تقتضي مهمتهم على ترقيع عذرية بعض الأنظمة التي تمارس العهر السياسي وتتعرض للاغتصاب مرارا ليعيدوا تسويقها ويظهروها بمظهر الأنظمة الشريفة الصامدة المقاومة، كل تلك المحطات الإخبارية أضحت معتادة لدى المشاهد العربي، حتى إنها لم تعد تحرك لديه أدنى حس بالسخرية ولو أن بعضها لا يخلو من الحس الكوميدي في طريقة تعاطيها مع الواقع لكن أقذر تلك المحطات تلك التي سنت سنة جديدة في إعلامها وتفردت بثقافة جديدة على الشارع العربي، وهي ثقافة التخويف، فراحت تنشر الفزع والذعر في قلوب الناس من أي محطة تدعو للنور وتفتيح العقل وترفض ما يمارسونه من الدجل في إعلامهم وتفضح عوراتهم بنورها الساطع الذي يدحر الظلام المخيم في منطقتنا منذ عقود، فما أشبه قناة الجزيرة اليوم بذلك الجراح الذي يرفض إجراء عمليات ترقيع العذرية لأن مبادئه المهنية تنهاه عن غش الناس، وأخلاقه ترغمه على البقاء مخلصا في عمله.
أعترف أن هذه التهمة من أكثر التهم التي باتت تضحكني، فأي حكومة تتهم مواطنيها بأنهم يعملون لأجندات خارجية تكون قد اعترفت مسبقا بلسانها أن لا أجندات داخلية فيها ولا حرية ولا رأي وأن المواطن فيها لا يسمح له لا بالتفكير. |
إن هذا النوع من الإعلام الذي يقوم على نشر الوعي وتحقيق الحقائق والوقوف بجانب المظلوم ويرفض التزوير والخداع يظل يزعج الطغاة ويؤرق ليلهم فلا يتوانون عن إنفاق المليارات لمحاربته وتشويهه أمام الناس، وتلفيق التهم إليه لكي يخاف الناس حتى من متابعته أو نقده، فمن يتجرأ على متابعته أو الدفاع عنه أو حتى إبداء رأيه بموضوعية فيه متهم بأنه جاسوس مخرب عميل يعمل لأجندات خارجية في بعض البلدان.
وأعترف أن هذه التهمة من أكثر التهم التي باتت تضحكني مؤخرا، فأي حكومة تتهم مواطنيها بأنهم يعملون لأجندات خارجية تكون قد اعترفت مسبقا بلسانها أن لا أجندات داخلية فيها ولا حرية ولا رأي وأن المواطن فيها لا يسمح له لا بالتفكير ولا بالتخطيط ولا بالتعبير عن رأيه، فلمّا كان من المستحيل عليه كتابة أي أجندة خاصة به في كنفها راح يستورد الأجندات الخارجية هذا إن صح ما تدعيه تلك الحكومات، لكن الحقيقة أن الربيع الذي يجتاح المنطقة العربية ويصر على البقاء فيها منذ سنوات جاء بالكثير من الأزهار الخلابة التي سرقت قلوب العرب بجمالها فراحوا يكتبون أجنداتهم المستقبلية على أوراق زهور الحرية بدمائهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.