شعار قسم مدونات

حراك الريف؛ النظام السياسي ونظرية النظم

blogs حراك الريف

إن فهم السلطة السياسية لا يمكن دون فهم العلاقات الناجمة عن السلطة، أي العلاقات بين من يملك السلطة استنادا إلى عوامل متعددة، ومن لا يملك نفس السلطة فيخضع لضوابطها استنادا لأسباب ولعوامل أيضا. تشكل هاته العلاقات إضافة إلى الوسط التي تمارس فيه نسقا اجتماعيا عاما يتضمن انساقا خاصة لا يمكن فهمها إلا من خلال النظر إليها كجزء منه ومن أهم هاته الأنساق موضوع مقالتنا النظام السياسي .يعود فضل دراسة النظام السياسي إلى المدرسة السلوكية بعد الحرب العالمية لاسيما رواد نظرية النظم على رأسهم ديفيد إستون .

يعرف ديفيد استون النظام السياسي بأنه مجموعة من التفاعلات التي يتم من خلالها التوزيع السلطوي للقيم في المجتمع؛ أي التفاعلات التي عبرها يتم ترجمة قيم المجتمع في شكل قوانين، قرارات، سياسات..باعتبار النظام السياسي مجموعة الأجزاء المرتبطة فيما بينها بشكل عضوي، بحيث يؤدي التغير في أحدها إلى تحول أجزاء باقي المجموعة، هذا النظام لا يعمل بشكل ذاتي ومنفرد بل يوجد داخل بيئة كلية تؤثر فيه عن طريق المدخلات ويؤثر فيها بدوره عن طريق المخرجات، هاته العلاقة هي مجمل عناصر النظام السياسي التي تنتظم في دائرة سيبرنيتيكية هي: المدخلات، والعملية السياسية، والمخرجات، والتغذية العكسية.

سنحاول في هذا المقال إسقاط نظرية النظم على المجتمع المغربي وهو يعيش على وقع الحراك الشعبي بالريف منذ سبعة أشهر. انطلق حراك الريف بعد مقتل الشاب محسن فكري في حاوية ازبال بعد محاولته التقاط أسماكه التي تعرضت للمصادرة وهي الصورة التي لم تعجب المغاربة بشكل عام والريفيين بشكل خاص، تلتها احتجاجات منددة بالجريمة الشنعاء، مظاهرات في كل ربوع البلاد لبت نداء الإنسانية، الكرامة..

تأتي المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي حملها الملف المطلبي للحراك الشعبي بالريف من مستشفيات وجامعة ومشاريع تنموية في المدينة ضمن المدخلات التي يتلقاها النظام السياسي باعتباره نظام مفتوح يخضع لضغوط من بيئته

تمخض عن هاته التحركات بروز حراك اجتماعي من رحم الأزمة قلب الريف مدينة الحسيمة بمطالب اجتماعية واقتصادية مع رفع العسكرة سرعان ما امتد إلى باقي مناطق الريف ثم تضامن باقي المدن المغربية ليبرهن عن مشروعيته الشعبية وجماهيريته ووعيه ونضجه وسلميته التي لم تكن لتروق المؤسسة التقليدية في النظام السياسي المغربي (المخزن) ولا حتى المؤسسة الحديثة المتمثلة في الدكاكين السياسية (الأحزاب) التي طالما رفعت شعارات ضد المخزن وفي الأخير استسلمت له واضحت مجرد لعبة في يده يمرر بها سياساته وأجنداته على الشعب المغربي المقهور.

تأتي المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي حملها الملف المطلبي للحراك الشعبي بالريف من مستشفيات وجامعة ومشاريع تنموية في المدينة ضمن المدخلات التي يتلقاها النظام السياسي باعتباره نظام مفتوح يخضع لضغوط من بيئته فهذه المدخلات تعتبر ضغوط ومؤثرات قائمة على النظام السياسي أتية من البيئة الاجتماعية الداخلية، فالمدخلات عبارة عن مطالب أي مجموع الطلبات الموجهة للنظام السياسي، تتمثل في حاجات وأولويات الأفراد والتي تصل إلى مرتبة الضغط كما هو الحال بالنسبة لحراك الريف الحامل لمطالب اجتماعية وأولويات المنطقة التي شكلت ضغطا على النظام السياسي والذي عليه أن يستجيب لها في حدود الإمكانيات التي يتوفر عليها واحترام كامل لمبدأ التدرج وحسب نظرية النظم قد تكون الاستجابة كلية أو جزئية أو رفض أو تقديم بديل.

 

ويلعب دور الوساطة هنا مختلف الفاعلين في الحقل السياسي من أحزاب سياسية وجماعات الضغط ووسائل الإعلام والجمعيات، التي تقوم بإيصال مختلف المطالب إلى الجهاز السياسي وهو الحلقة المفقودة في المجتمع المغربي فالأحزاب أضحت مجرد دكاكين سياسية، أحزاب مخزنية، أحزاب إدارية، حتى الأحزاب الشعبية أضحت أحزاب نخبوية مخترقة من طرف المخزن، بعيدة كل البعد عن الشعب وهمومه وطموحاته بدون أي برامج سياسية واضحة مجرد شعارات رنانة واستعارات مفاهيمية تجميلية الخ..

 

ناهيك عن جماعات الضغط على الشعب ومصاحبة النظام وأخد طرف من الحلوى، أما الجمعيات فأغلبها انحرفت عن مسارها وأهدافها وأضحى العمل الجمعوي مجرد موضة واسم الفاعل الجمعوي مجرد إتيكيت ونفاق وثقافة سي فلان جمعوي بعيدا عن ثقافة التطوع والفعل الجمعوي الحقيقي السامي.. أما بخصوص الإعلام فهو إعلام يخدم أيضا أجنداته الخاصة وفق معادلة المخزن وتشويه سمعة الحراك ونشطائه ونشر السموم من أجل توجيه الرأي العام بعيدا عن الحقيقة وتكريسه للجهل واستحمار وتخدير العقول.

في هذا الإطار أي المدخلات التي جاء بها الحراك والموجهة للنظام السياسي تفتقد للبوصلة والوساطة مع تعمد النظام اللجوء إلى سياسة الآذان الصماء والإنكار في ظل غياب أية وساطة سياسية أو مبادرة حوار، التي يمكن أن تؤدي حل للأزمة وتحقيق المطالب من خلال العملية السياسية .

بعد المدخلات تأتي العملية السياسية ثانيا ضمن عناصر النظام السياسي، فالعملية السياسية هي عملية تحويل المطالب التي يتلقاها النظام السياسي إلى قرارات سياسية وسياسات عامة في مختلف الميادين وهاته العملية تخضع لصراع المصالح بين أعضاء النظام السياسي وتشهد العملية السياسية خطوات هامة هي المعرفة بالمشكلة، جمع الحقائق عن المطالب، التشاور مع الأطراف المعنية بالمشكلة وصياغة السياسات البديلة والنقاش العام واتخاذ القرار فتتمخض عليها مخرجات. وهاته العملية لا يعرف عنها شيء فيطلق عليها العلبة السوداء وهو ما لا يمكننا من معرفة فصول هاته الرواية.

تسمح التغدية العكسية بربط المدخلات والمخرجات في عملية مستمرة، وهي تتعلق برد فعل البيئة على مخرجات النظام السياسي. وتهم أساسا تفاعل البيئة الكلية مع قرارات النظام السياسي، حيث ينتج عن هذا التفاعل مطالب موجهة للنظام السياسي

تعبر المخرجات عن الاستجابة بدرجات متفاوتة لمطالب المواطنين تتمظهر في شكل سياسات عامة مشاريع.. وتوجه المخرجات إلى الأفراد وتعبر عن استجابة النظام لمطالبهم، وقد تقابل هذه المخرجات من قبل الأفراد بالقبول أو الرفض. فالدولة المغربية أو الحكومة لم تستجب بعد لمطالب الساكنة وقابلتها بالإنكار أحيانا والمجابهة أحيانا أخرى واستعمال الحل الأمني وقمع الحراك رغم سلميته وقانونيته المكفولة دستوريا.

تسمح التغدية العكسية بربط المدخلات والمخرجات في عملية مستمرة، وهي تتعلق برد فعل البيئة على مخرجات النظام السياسي. وتهم أساسا تفاعل البيئة الكلية مع قرارات النظام السياسي، حيث ينتج عن هذا التفاعل مطالب موجهة للنظام السياسي. 

صفوة القول، يتبين مما سبق أن هناك عدة عوائق وإشكالات تعيق حل مشاكل الريف وتحقيق الملف المطلبي المشروع من فشل الأحزاب واختراقها إلى استرزاق بعض الجمعيات والإعلام التحريضي ضد الحراك الخ.. وأن الغموض الذي يحيط بالنظام السياسي المغربي بين حقيقة تقليديته والمؤسسات الحديثة المزيفة يستدعي إعادة طرح هذه المسألة والتفكير فيها، فهاته الازدواجية سبب كل الشرور والأمراض السياسية في وطننا الحبيب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.