الذين اعتقلوا مسرى رسول الله يشربون نخب انتصارهم لخمسين عام! دماؤنا في كؤوسهم! وعلى شفاههم آثار صلاة تُغلق دونها السماء! ترتعش بالنشوة كلماتهم وهم يصفون دولتهم التي لملموا تفاصيلها من كل الطرقات والملامح! ونتحرّك نحن في مساحات الوجع مصدومين بمزيد من التشظّي! بمزيد من الفرقة والانقسام! نمزّق بأيدينا عباءة أبينا التي تردُّ عنا البرد وتستر عرّينا وإلى بعضنا تضمّنا! نمزّقها وإن فعلنا.. مزق ثوبٍ صارت بأيدينا!
كنا نبكي القدس بدمع القلب ونسأل الأشقّاء النصرة! وكانت حمائم القدس تتحرّك في عواصم العرب! تراقب غلال مصر والسودان، تغتسل بالعذب من ماء العراق، تتجوّل في جبال خضر في سوريا ولبنان، وتمر بالبيت العتيق تعانق القباب بالشوق وآيات الصبر وخريطة الإياب.. كانت فلسطين وحدها تنزف! تخبّطنا على حدود الرغبة بالعودة، اختلطت أوراقنا! فبتنا نجرّب مع العدو حظّنا! ومن خلفنا أمتنا تتورط من تحت الطاولة بمزيد من اللعب..
خمسون عاما والجرح هو الجرح! لكنه ينزف اليوم في كل العواصم، لتتنفّس على حدود الصدمة الدماء! خمسون عاما من التيه داخل إطار لوحةٍ رُسمت لنا، فصرنا أسرى الرسم خارج الوطن! لولا قلوب احتفظت بذاكرة المفاتيح وخريطة الطريق للبيوت التي لا تزال تنتظر!
فُرقتنا ستحسّن رغما عنا صورة عدوّنا في المنطقة، وقد تساهم في مزيد من التقريب بينه وبين الدول التي فرضت المقاطعة، بعد نزع الشرعية عن حماس ولصق تهمة الإرهاب بها، لهدم آخر معاقل المقاومة |
رمضان يلقي بأستاره علينا ونحن بالقهر نعدّها.. عاما تلو عام! نعرّج بالوجع على غزّة وهي تلملم صغارها من بين الصمت والركام.. تُحاصَرغزّة! وُيحاصَر مَن ينادي بفكّ حصارها! يُستصرخ في النوائب الأشقاء! غير أنهم اليوم يستعيرون سكين عدوّها.. وبلا وجل يقطّعون في شهر الرحمة الأرحام! يمزّقون بيد الفرقة لُحمتنا! لتنطفئ قناديل الخليج مفجوعة ببعض دمها في مقاطعة تُفرض عليه بحرا وبرا وجوا.. كمقدّمةٍ لعودته كشاهد أخرس وكاميرا عمياء!
فالمقاطعة أتت بصورة حصار اقتصادي، يحمل أنفاس الضغط للاستسلام للإملاءات! هم يعرفون بأن هذا الأمر لن يطول، لكنه يحمل رسائل قاسية لا يمكن تجاوزها بأي حال.. غير أن الحوار يظل سيد الموقف، والطريق الذي يمكنه أن يوصل البحارة المنهكين بالعواصف لليابسة! فُرقتنا ستحسّن رغما عنا صورة عدوّنا في المنطقة، وقد تساهم في مزيد من التقريب بينه وبين الدول التي فرضت المقاطعة، بعد نزع الشرعية عن حماس ولصق تهمة الإرهاب بها، لهدم آخر معاقل المقاومة! ولإعادة التأثير الأمريكي من جديد للمنطقة، يرسمها كيف يشاء..
في الذكرى الخمسين لاحتلال القدس تهتز الأرض من تحت الأقصى برقصات المحتفلين! وقد أُعلنت مقاطعة الشقيق، والتواصل مع العدو في سابقة تحمل الكثير من الرسائل |
كانت البوصلة تتجه طوال الوقت صوب القدس.. وكانت فلسطين بصمة عروبتنا! اليوم الذود عنها جريمة! والعمل على استعادتها إرهاب! ومقاومة المحتل نقيض التحضّر في زمن العمالة والخراب! بينما يقتحم الكيان المحتل المسجد الأقصى بعجرفة مَن لا يعترف بغير صوته وسط ضجيج الأصوات.. ويستقبل الرجل الأول في الكوكبٍ الذي تحوّل لفيلم من الرسوم المتحركة! يقفون في مواجهة حائط البراق، يفتعلون البكاء! ليصنعوا لأنفسهم ذاكرة! يسرقون تفاصيلها.. علّهم يجدون لذلك الخليط البشري وقد جمعوه من كل البقاع ما يوحّد وجهته، ويمنح الشرعية لوجوده، فالكيان الإسرائيلي يعرف في عمق وعيه بأنه مجرّد خليط يسهل فصل أجزائه! ولن تمتزج مكوّناته أو تنصهر ببعضها مهما فعلوا، وليس غير الأكاذيب يجمعون بها أنفسهم ويُكملون بها لوحة وجودهم المؤقت!
في الذكرى الخمسين لاحتلال القدس تهتز الأرض من تحت الأقصى برقصات المحتفلين! وقد أُعلنت مقاطعة الشقيق، والتواصل مع العدو في سابقة تحمل الكثير من الرسائل التي تشي بمرحلة جديدة من تاريخ الصراع! بينما نتجرّع نحن التهجير تلو التهجير، وتمتد في صفوف أمّتنا الفرقةُ زرعاً نكداً تسكننا مرارتهُ وتخيفنا تداعياته..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.