نحو المستقبل:
القوي الحيه:
بالنظر إلي التركيبة الديمغرافية للسودان نجد أن الفئة العمرية الغالبة هي فئة الشباب التي يتراوح عمرها بين ال25 عاما إلى الـ 45 عاما، أخذين في الاعتبار حركة الهجرة الواسعة التي ضربت السودان في السنوات العشر الماضية وحركات التنقل الكثيفة من الريف إلى المدن المركزية في السودان.
تزداد هذه الفئة العمرية يوما بعد يوم زهدا في الحياة السياسية وفي الانتظام تحت رايات التحزب لما لمسته في غالب تجارب الأحزاب من الانتهازية وعدم الجدية، وكبديل لإشباع الطاقات المتنامية في هذه الفترة من العمر انتشرت وعمرت تجارب العمل الطوعي في أوساطهم وأحرزت درجات عالية من النجاح والتأثير، وبغض النظر عن بعض الظنون حول الرايات السياسية التي تقف خلف هذه المجموعة أو تلك أو محاولات الاحتواء التي نشطت واشتهرت في فترة من الفترات إلا أن القدرة الاستيعابية لهذه المجموعات غطت كثيرا من الفراغات التي نشأت بفعل الفراغ الذي أحدثه انسحاب الاحزاب السياسية من الواقع اليومي للشباب.
على الرغم من الاتجاه العالمي بتصنيف هذه المجموعات السلفية كمراكز محتمله في تنشأه وتطوير الأفكار الإرهابية إلا أن الجميع غض الطرف عن نشاطهم حتى بعد أن بدا تأثيرهم واضحا بعد ارتكابهم لحادث أو حادثين |
ومن جانب أخر انتشر وزاد بشكل ملحوظ تأثير التيارات السلفية المتشددة وسط الشباب والشابات، هذه التيارات انتهت إلى بعض الترخيص في ممارسة الفعل السياسي بعد أن كانت تضعه في خانة التحريم وانتشرت وبذلت دعوتها وسط الجامعات والولايات البعيدة من المركز وحازت نجاحا لا يمكن إغفاله، ساعدها على ذلك أيضا تماشي الخط الذي تقوده مع رغبة الحكومة في إبراز بديل أخر يمثل الدين غير الأحزاب الوسطية التي تمارس الفعل السياسي بصوره محترفه ومؤثرة كالحركة الإسلامية وبدرجة أقل التيارات القريبة منها من ناحية الأفكار.
أفردت الجهات الحكومية مساحات واسعة من الإعلام المقروء والمسموع لهذه الجهات السلفية وأعطتها حرية أكثر وتسهيلات في بناء المراكز والدور وخففت من القيود المفروضة علي حركة عضويتها خارج وداخل السودان ويسرت لهم سبل الاتصال مع المشرفين عليهم من الخارج وسعت قدر وسعها لتقديمهم كبديل مقنع للحركة الإسلامية وذلك وفق اتفاق يكاد يكون مشهورا ألا ينتقدوا الحكومة إلا في الحدود الدنيا وأن يصوبوا جهدهم ناحية الالتزام الفردي والشعائر الظاهرة من الدين والتدين واستغلتهم أسوأ استغلال تجاه نقد الأفكار الحداثية للحركة الإسلامية ولفكرها.
وعلى الرغم من الاتجاه العالمي بتصنيف هذه المجموعات السلفية كمراكز محتمله في تنشأه وتطوير الأفكار الإرهابية إلا أن الجميع غض الطرف عن نشاطهم حتى بعد أن بدا تأثيرهم واضحا بعد ارتكابهم لحادث أو حادثين وبعد ان ضبطت السطات الأمنية معسكرا لتدريب العسكري في منطقة قريبة من الجانب الشرقي للبلاد.
التركيز علي هذه الفئة مطلوب للغاية ولازم لاسيما استراتيجية تحاول التأثير علي مستقبل البلاد، والوسائل المطلوبة لمخاطبة هذه الفئة لابد وأنها مختلفة للغاية عن الوسائل المتبعة قبل عقد أو عقدين من الزمان، وتحتاج لذلك الحركة لخطط منضبطة بوسائل حديثه ولجهة تراقب وتحلل وتقوم أي انحراف عن مسار الخط المرسوم.
الخطاب العام :
نحو تأسيس جديد:
كانت للحركة الإسلامية تجربة لقلب نظام الحكم عبر القوة العسكرية حين دخلت في تحالف مع بقية الأحزاب في جبهة وطنية يدعمها غريم في بلد جار للحاكم العسكري في الخرطوم، وأفلحت الحركة العسكرية في الدخول إلى قلب الخرطوم |
الملاحظ لمسيرة التيار الإسلامي منذ نشوءه يلحظ زهدا للتيار في التشبث بأي إطار واحد للتنظيم وأشكاله أو التمسك بأي مسمي دون غيره من الأسماء، اتخذ التيار الإسلامي بدأ اسم الإخوان المسلمين تعاطفا مع الحركة التي نشأت شمال الوادي والتي ضربها العسكر ضربا قاسيا، وجاء من تلقاء الشمال بعض أفراد بشروا بذلك التنظيم فاتخذه الناس واجهتهم وبدأوا في حشد الناس انعطافا عاما نحو الخيار الإسلامي، ثم بعد الديمقراطية الأولي والانقلاب الأول خرجت الحركة الإسلامية كجبهة للميثاق الإسلامي جماعة ضغط ترجح الخيار الإسلامي وتحسنه للناس وتدعوهم إليه، وخاضت تحت تلك الراية غمار المنافسة السياسية للمرة الاولي وأفلحت في الفوز ببعض التمثيل ودخلت في تحالفات هنا وهناك، ثم قضي الانقلاب العسكري الثاني علي المنافسة الحزبية عبر صناديق الاقتراع ودخل معظم الصف الأول من الحركة إلى غياهب السجون والمعتقلات.
ثم كانت للحركة تجربة لقلب نظام الحكم عبر القوة العسكرية حين دخلت في تحالف مع بقية الأحزاب في جبهة وطنية يدعمها غريم في بلد جار للحاكم العسكري في الخرطوم، وأفلحت الحركة العسكرية في الدخول إلى قلب الخرطوم وخاطب أحد البارزين من قيادة الحركة المصلين بمسجد جامعة الخرطوم لكن الفشل كان نصيب تلك المحاولة لأسباب عدة من بينها الغيرة السياسية للحزبين الكبيرين وعدم رغبتهم تمكين عناصر الحركة المتعلمين طلاب الجامعات من بعض المرافق المهمة مثل الإذاعة والتلفزيون حتي بعد أن احتلوها بالكامل لكن جاءت التعليمات للحراس أن يغلقوها عن هؤلاء خاصة حتي يأتي من غيرهم من يستطيع تشغيل الأجهزة ومخاطبة الناس، أطلقت علي تلك الحركة الانقلاب الأبكم وأطلق عليها أيضا حركة المرتزقة وتباهي النظام العسكري بعد ذلك بقدرته علي التصدي للمحاولة وإخمادها واعتقال كل المتورطين فيها.
ثم انتقلت الحركة الي مرحلة الجبهة الإسلامية القومية عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالحكم العسكري واستهلت الحركة مشاركتها في الفترة الديمقراطية الثانية باستحواذها تقريبا علي كل مقاعد الخريجين وبدخولها البرلمان بعدد كافي لتكوين حكومة ائتلافيه مع أي من الشقين الطائفيين الأكثر منها فوزا بمقاعد البرلمان، ودخلت الحركة في تحالف هنا وهناك حتي جاءت مذكرة الجيش التي طالبت السيد رئيس الوزراء بإخراجهم من الحكومة الائتلافية، ثم كانت الإنقاذ الوطني حصاد تدبير الحركة منذ السبعينات في سجون مايو وثمرة الانضباط والتنظيم الدقيق والصبر علي تجنيد وإخفاء العضوية داخل الأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة للدولة.
كنتيجة للمفاصلة الشهيرة بين الشق العسكري ومن مال معه من المدنيين وبين التيار الرئيس للحركة خرج المؤتمر الوطني الشعبي أولا ثم المؤتمر الشعبي لاحقا كنموذج أخر تدير معه الحركة حوارها المتطاول مع الشعب ومع السلطان |
كانت بعد ذلك تجربة المؤتمر الوطني الوعاء الجامع الذي حاكي تجربة الجبهة الإسلامية وحاول أن يستلهم من التجربة ويطورها مستخدما أليات الدولة وتأثيرها، كانت المرة الأولي التي لا تلحق الصفة الإسلامية بواحده من الأسماء التي أطلقتها الحركة علي نفسها (في الوقت الذي لم يتغير فيه الوضع كثيرا في القطاع الطلابي الذي حافظ علي وصف نفسه بالتنظيم الاسلامي)، وبعد فترة بسيطة من التجريب أخرجت الحركة غالب قياداتها علي مستوي الصف الأول للمؤتمر الوطني وتولي الدكتور الترابي منصب الأمين العام للحزب في حين توزع بعض من كبار الأسماء المشهورة ما بين أجهزة الدولة والحزب.
بعد حين وكنتيجة للمفاصلة الشهيرة بين الشق العسكري ومن مال معه من المدنيين وبين التيار الرئيس للحركة خرج المؤتمر الوطني الشعبي أولا ثم المؤتمر الشعبي لاحقا كنموذج أخر تدير معه الحركة حوارها المتطاول مع الشعب ومع السلطان، هذه المرة خرجت الحركة بخبرة السنين التي تعلمتها من المجاهدة كجماعة ضغط صغيره إلى حزب غير كبير في البرلمان ثم إلى الاستحواذ منفردة على مقاليد البلاد. وفور إنشاء الحزب الجديد بدأت الحركة في استئناف ما أنقطع من خطة الحركة بفعل العائق المتمثل في الدولة الثقيلة ومتطلباتها، فوقعت الحركة مذكرة التفاهم مع المقاتلين في الجنوب وانفتحت على بقية الأحزاب حوارا واجتماعا على الحد الأدنى من المطلوبات، وعلى معارضة النظام العسكري القائم وبذل الجهد في محاولة إسقاطه وإعادة الحياة الديمقراطية مرة أخري.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.