شعار قسم مدونات

فلسفة النجاح وحقيقته

blogs- التفاؤل
إن النجاح في الحياة لهو هدف جوهري من الأهداف التي يسعى لها الأنسان بكامل عزمه وقوته. فما من عامل يعمل إلا وهدف النجاح فيما يعمله ماثل بين عينيه. فتراه يفكر تارة ويتمعن أخرى في تلك السبل التي تسهل له هذا الطريق نحو ذلك النجاح الذي يريده، ليطمئن قلبه، وتهدأ سريرته، ويشعر بالإنجاز الذي يمكنه من أن يستشعر قيمة وجوده في الحياة وأهميته في بنائها.

فالنجاح مطلب شريف عظيم، يسعى إليه كل إنسان استجمع في نفسه فوائده الجزيلة، ودوره الذي ينقله من ظلمة الانحطاط والعجز إلى نور الرقي والإنجاز، فهو مفتاح المستقبل المزهر، وسبيل التميز الازدهار بإذنه تعالى. فالله عز وجل خلق الإنسان لهدف عبادته وتوحيده في هذه الأرض لقوله تعالى: (ومَا خَلقْتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليَعبُدُون)، فعباده الله جل شأنه وطلب مرضاته، هي هدف بذاته يسعى الإنسان لتحقيقه، وهو مطلب متفوق على كل المطالب، تصب جميعها في بوتقته، تبتدأ منه وتنتهي إليه.

الفشل في كينونة النجاح محرك دافع نحو مزيد منه، وذلك لطبيعة النفس البشرية المجبولة على البحث عن الجديد، وسبر غور كل مجهول.

إذ أنه هو الغاية من خلق الإنسان، ومرتكز وجوده على هذه البسيطة، لذلك وجب على الإنسان في هذه الحياة أن يضع ذلك الهدف الجليل السامي بين عينيه في كل مسعىً من مساعيه، وفي كل حركة من تحركاته، باذلا كافة الجهود لنيله، مخلصاً نيته لربه خالقه ونافث الروح فيه، الذي يمده بما يحتاج من القوة والعزيمة في ما يعينه لنيل ما يطمح إليه ويقصده.

واختلاف معاني النجاح نابع من اختلاف البشر فيما بينهم، كل بحسب نيته ومقصوده، ودرجة تفكره ومنطقه، وبما تحويه نفسه من العلوم والخبرات والمعتقدات، فمنهم من يرى النجاح على قدر ما يجمع من مال، ومنهم من يراه على قدر ما يحصّل من شهادات ودرجات، ومنهم من يراه في بناء أسرة سعيدة مستقرة.

غير أن لمفهوم النجاح مفهوم أشمل وأوسع مما تحويه تلك الأهداف المتفرقة الضيقة، إنه مفهوم شامل، مستمر، متغير، غير مرتبط بمستوى واحد فقط من مستويات هذه الحياة، سواء الشخصية أو الاجتماعية أو العملية أو غيرها ، فهو يشمل جانبي حياتنا الدنيوية والأخروية معاً، إذ أن النجاح الدنيوي ليس معناه النجاح الأخروي، ولا يفضي بالضرورة إليه، إلا أن النجاح الأخروي مُستلزم للنجاح الدنيوي بكل مستوياته وطبقاته، فالمدخل في هذا الاقتران والترابط لهو وضوح النية والقصد.

إذ أن النجاح في الآخرة يقتضي وضع كل الأهداف المُطمَح إليها في بوتقة الهدف الأسمى والأكبر، المتفوق على مجموعها، ألا وهو رضى الله سبحانه وتعالى، الذي بيده مقاليد كل شيء، المنتهي عنده كل مآل وأمر، فيتحقق بذلك معنى الشمول وفائدته، على صعيد الفرد والمجتمع، بل وللإنسانية جمعاء، لارتباط الغاية بخالق الغاية ذتها، فعندئذ تخترق فائدة النجاح أسوار الأنانية الفردية لتعم الجميع، ويصح الشمول؛ الشمول الدنيوي والأخروي، والشمول الدنيوي بكافة مستوياته.


ومن ثم فإن النجاح عملية مستمرة متواصلة، غير مرتبطة بزمن بعينه، أو بوقت لذاته، فالنجاح وإن باغته الفشل في مسير من مساراته، أو في لحظة من لحظاته، يبقى دائبا لا تثنيه تلك المعوقات، بل إن من فلسفته اعتبار الفشل جزءا أصيلا من مركباته لا يصح أو يكون إلا به، فهو الجزء المظلم من مسيره التفوق والتميز المستنيرة، إذ أنه كيف يُعرف هذا التفوق والنجاح دون تلك البقاع المظلمة فيه، حيث أن الأمور لا تعرف إلا بأضدادها؟

من الناس من يرى النجاح على قدر ما يجمع من مال، ومنهم من يراه على قدر ما يحصّل من شهادات ودرجات، ومنهم من يراه في بناء أسرة سعيدة مستقرة.

فجزئية الفشل في كينونة النجاح محرك دافع نحو مزيد منه، وذلك لطبيعة النفس البشرية المجبولة على البحث عن الجديد، وسبر غور كل مجهول، فيكون الفشل في تحقيق هدف ما شيئا جديداً عليها يقتضي منها استكشافه واستنتاج أسبابه، ناهيك عن الألم المتسبب لها جراء حصوله ووقوعه، فتستجمع عن ذلك النفس قوتها لكبح ذلك الألم وتخطيه، وتجدد نحو استكشاف ذلك الجديد عزمها، فيحصل المزيد من التميز ويتحقق عامل الاستمرار.

ويأتي تغير النجاح ليفضي مزيداً من الاستمرار والشمولية، فالتغير دافع باعث للرقي والتميز كالفشل تماماً، فالتغير هو درجة من درجات نور هذا التفوق والنجاح، يشع تارة ويخبت أخرى، فعند انخبات هذا النور، ترى النفس البشرية استثيرت من جديد، وبعث فيها الفضول لتعزيز ذلك النور، فتبذل مزيدا من العزم لإبقائه ساطعاً مستنيراً، وتبذل قصارى الجهد في مزيد من الإتقان والإجادة للعمل الذي تقوم به، فيتحقق الأمران: استمرار النجاح وديمومته، والاتقان.

النجاح حال شاملة، مستمرة متغيرة، تتطلب وضوح الهدف المراد، وشفافية الغاية المتعلقة به. النجاح حالة من السرور والرضى النفسي والاستقرار، هو علامة الحياة والنمو والإعمار. إن أراد الإنسان الحياة، فعليه بفهم طبيعة النجاح، بنوره وظلمته، بتقدمه وتأخره، وبضبابيته حين تكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.