شعار قسم مدونات

محاولات إيقاظ ضمير نائم

مدونات - الصوماليون

جُدران باردة يتسرب من خلال ثقوبها شعور موحش بالوحدة، وإحساس يعتريني بالذنب تارة وبالعجز تارة أخرى، كلما تذكرت تلك النظرات المنكسرة على أعتاب صخرة الواقع، والباحثة عن من ينتشلها من الظلم والضياع، وتلك الظروف التي قد قسمتنا على كافة بقاع الأرض فقبلنا بالقسمة واستكنا قانعين بحكم القدر، بينما لا أملك في حقيقة الأمر لنفسي خلاصاً فقد قطعت تذكرتي لرحلة الموت مثلهم، وبتُ في قلب قارب صغير يفتقد لأبسط معايير السلامة يتكدس الناس فيه كقطيع الغنم، فكثيراً ما أشعر بأن نجاتي دونهم هي خيانة كبرى لهم..

فلماذا قُدر لي بأن أكون الراوي والشاهد على كل شيء، فلطالما حلمنا بأن نصل إلى أرض أحلامنا سالمين، ولكن الرياح قد بددت بلحظات أحلامنا الورقية التي قد هدمتها ونسفتها شبكة المهربين المترامية الأطراف والتي تهدف لتحقيق الأرباح بينما تعادل قيمة الإنسان في عرفهم صفراً، وتعددت سبل الوفاة والموت واحد، ولكن لا شيء يضاهي مطلقاً قساوة وانعدام الإنسانية لدى ثلة من قطاع الطرق الذين يعرفون الطريق المختصر لأحلامك فيتفننون في إرهاب قلبك الآمن وبعد أن وثقت بهم باسم العروبة والدين تخرج بخفي حنين ومكبل اليدين والرجلين وبعدما كنت حراً يزجون بك كالعبيد في غياهب السجون ثم يسامونك على الثمن! ويحملونك من الآلام ما لا تطيق ثم يتركونك في منتصف الطريق مضرجاً بالخيبات وأنت تردد "قمْ صلِّ نافلةَ الوصولِ تحية للخارجينَ الآن من صمتِ الثرى".

يعد المهربون الليبيون الأسوأ من حيث التعامل مع المهاجرين الصوماليين، بينما تتبخر أحلام البسطاء بتحقيق مستقبل أفضل وتلك القصص وغيرها موثقة وتبثها وسائل الإعلام الصومالية شهادة الضحايا الذين كتبت لهم النجاة حيث يرون ما قاسوه في رحلة الموت تلك.

كانوا كالذئاب يتجمعون على فاقة الصوماليين وحاجتهم ليأخذوا قليلهم ويضربوهم ويمعنوا في إهانتهم وتعذيبهم ولا يتوانون عن انتهاك إنسانيتهم، ومالهم وعرضهم وحلمهم مستباح، فكم من صوماليين قد ألقوا بهم في عرض البحر، فتلك الأم الرؤوم والهاربة من جحيم الفقر برفقة صغيرها ألقوا بطفلها بدم بارد في عرض البحر لأنه لم يكف عن البكاء؟ وبعدما أصيبت بنوبة انهيار وانقضت كلبوة مفجوعة بصغيرها، قام المهربون بتوثيقها وألقائها في عرض البحر لتؤنس صغيرها فلا مكان أكثر اتساعا من البحر للبؤساء حين تمتزج دموعهم بماء البحر، في الوقت الذي بلغ فيه الإتجار بمعاناة المهاجرين الغير الشرعيين ذروته، وفي قانون أشبه بقانون الغابة حيث يقتضي بأن يخرج المُهرب أتعابه بالقوة الجبرية وبممارسة كل أنواع الانتهاكات التي تبرهن بأنه ليس من صنف البشر بل مصاص دماء يمتص عرق الفقراء ولا يستثني في رحلة البحث عن الثراء أطفالا أو نساء، متجردون من الرحمة والمروءة والأخلاق، وخارجون عن القانون.

ولكن حتما عند الله ستجتمع الخصوم، فكلما أمعنوا في إذلال المهاجرين الصوماليين كلما رضخوا لمطالبهم ووفروا لهم المزيد من المال لكي يبقوا على قيد الحياة، وفي رحلة البحث عن الرزق لا يترك هؤلاء المرتزقة امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً والأرواح البشرية لا تعدو بالنسبة لهم سوى تحصيل حاصل، فيستأسدون تحت سطوة السلاح ليرعبوا بهم العزل المدنيين وليوثقوا عملية تعذيبهم ثم يقومون بإرسالها إلى أهالي الضحايا وهم يضربونهم بالخراطيم والعصي ويسبونهم بألفاظ نابية ليدموا قلوب ذويهم الذين يسعون جاهدين لتأمين تلك الفدية وتأمين مبالغ طائلة أملاً في إنقاذ حياة فلذات أكبادهم من هذا الجحيم، فكثيرون هم من قد قضوا تحت وطأة التعذيب، وأن تشابهت الأجواء العامة ولكنه بطبيعة الحال تتفاوت الأوضاع من سيئ إلى أسوأ.

ويعد المهربون الليبيون الأسوأ من حيث التعامل مع المهاجرين الصوماليين، بينما تتبخر أحلام البسطاء بتحقيق مستقبل أفضل وتلك القصص وغيرها موثقة وتبثها وسائل الإعلام الصومالية شهادة الضحايا الذين كتبت لهم النجاة حيث يرون ما قاسوه في رحلة الموت تلك، وصلت إلى مالطا بأمان حاملاً في جعبتي ككل المهاجرين الصوماليين العديد والعديد من القصص المأساوية والتي تمكن أصحابها من روايتها.

ومنهم من لم يمهله القدر لكي يصف ما كابده من مشقات، ولكنه يهمس أنا هنا تحت الثرى لعلي أزور ذات يوم مناماتكم الهادئة، فيا قومي اتركوا الفرقة والانقسام والتعصب فمتساوون نحن تماماً كأسنان المشط أمام الذل ولا أحد يفرق بيننا حينما نقتل، فشريفنا وضيع أمام أولئك الانتهازيين المنعدمي الإنسانية، فكفوا عن هذا الانشغال بالصراعات المحيطة ولا تتدخلوا بما لا ناقة لكم فيه ولا جمل، فالصومال أولى بالتعاطف وشبابنا الغارقون في قاع البؤس أولى بالتفكير بكيفية انتشاله وكرامتنا المهدورة أولى بالبكاء وحكوماتنا الصامتة أولى بمخاطبة ضمائرها، فقد آن الأوان بأن تصب النخبة جل اهتمامها على الصومال وبأن تكف عن توجيه رسائل لمن يهمهم أمرهم ولا يكترثون قطعاً لأمرهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.