شعار قسم مدونات

لولا موقعة الجمل

blogs - مصاحف
لولا موقعة الجمل ما علمنا أحكام البغي.. يقول الدكتور طارق سويدان: "والله ما تعلمت أدب الخلاف من الكتب الغربية ولا من الدورات كيف يدار الخلاف، تعلمته من موقعة الجمل". 
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما حان رحيلها من أرض المعركة: "يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار. فقال علي: صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك". 

في أشد المحن والفتن يظل الذهب ذهب والتراب ترابا، لكل حق حقيقة، لكن ما الفائدة؟! إن رحلتنا في الأرض؛ الأصل فيها أن نبتلى ونفتن، نختبر فيها بالضد والضد، وكل يأخذ غذاء قلبه ويعطي ثمرته، نبتلى بالخير والشر بالظاهر والخفي، وأيضا قد يكون في العلم بلاء وفي الجهل بلاء، نبتلى في الدنيا بعُقَد من الامتحانات قد تفتل فلا نرى أولها من آخرها، وهي هنا الفتنة، قبحها الله تكسر القلوب وتذهل العقول، وتأتي على كل خير فترجه رجا حتى يميز الله الخبيث من الطيب، لكن بين طيات الزمن لا نستطيع أن ننسى أشياء أوجعتنا بشدة وأشياء أسعدتنا بقوة، ولا تندمل جروح الفتنة على عجَل، ومن منا يصبر على مثل ما أصاب أصحاب الجمل.

كم معركة جمل عشت في حياتك! ربما كل يوم جمل وصفين تفرق إخوان الدين الواحد، أهل الوطن الواحد، بل الأصحاب وأهل البيت الواحد، مخلفة وراءها صرخة ولعنة وجرحا في القلب لا يندمل، بل صدع في عظام الصدر لا تلتقي بعده الأضلع أبدا، لكن هل كرهت القلوب المُحبة.

دائما ما نقتنع أن الخاتم والمصباح السحري وكل الإنس والجن لا يستطيع أن يغير من قدر الحب شيئا، فما بالكم بقوم كان حبهم معقود بعهد الله وعلى سنة رسول الله، إنه الحب الذي لا يهزه إعصار جاءت الفتنة لتحقق به عكس ما هدى فتضل، وضد ما أراد فتذل، وما لنا لا نتذكر أن الدنيا في الأصل دار يلتهب بها الحق بالباطل، حتى يأذن الله لها بانتهاء فيحمل كل ثمرة قلبه وعمله ويرحل إلى دار البقاء.

إن كنت ممن أصاب قلبه لهيب الفتنة واحترق في قلبك من الحب الكثير فاعلم أن الله يحبك، وأن اللقاء أقرب من ظنك، وأن جيشا أرعب الفرس وهزمهم بثلاثين ألف جندي؛ اقتتل على نفسه مائة وثلاثون ألف إلى تسعين ألف جندي مسلم، يقودهم ضد بعضهم صحابة وأخيار.

كيف يتوقع من الدنيا أن تكون دار نعيم وهي دار لا يستقر بها حال إلا وراءه فتنة، وإن لم يكن فكيف يكون الحساب وعلى ما يكون! قال الله: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) وهو يخبر آدم بحاله وعياله في الدنيا بعدما أرسله إليها؛ ليتم علما ويحمل أمانة عاهد الله عليها. 

يقولون نزل آدم الدنيا عقاباً، لكني موقنة بأنه نزل هنا ليتعلم الفرق بين الغرور والكبر والتواضع يعلم كيف يزول متاع الدنيا لتتم له المتعة والفرحة في الجنة. نزل آدم إلى الدنيا ليتعلم ماهية الخير والشر، ليكتشف نفسه، ليستحق الخلود، وهل يكون الخلود لجاهل وهل يكون العلم إلا عن تجربة.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر). أي أن العاصم هنا الاجتهاد في تحري الصواب والثواب على الله أجر وأجران.. الله رحيم عظيم يحب أبناء أدم خلقهم ليكرمهم بالعلم يمهلهم ويعلمهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القضاة ثلاثة، قاض في الجنة واثنان في النار، قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاض عرف الحق فقضى بخلافه فهو في النار، وقاض قضى عن جهل فهو في النار). أي جزاء الجهل كجزاء البغي والظلم.

فإن كنت ممن أصاب قلبه لهيب الفتنة واحترق في قلبك من الحب الكثير فاعلم أن الله يحبك، وأن اللقاء أقرب من ظنك، وأن جيشا أرعب الفرس وهزمهم بثلاثين ألف جندي اقتتل على نفسه مائة وثلاثون ألف إلى تسعين ألف جندي مسلم يقودهم ضد بعضهم صحابة وأخيار، فأين نحن منهم حتى نكره بعضنا الآن ولا نتعلم من عائشة وعلي، أين أنتم من أصحاب الجمل..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.