كيف لنا أن نغدو يوماً ما أردنا، أن نكسر أصنام العصور الغابرة، أن نشدو كما السنونوات بلا قيد يحاصر ريشنا، أن نغرد كالبلابل بعيداً عن صخب السلاسل! آه، كيف لنا أن نرتّب صباحاتنا دون إذن من الجنرال. |
ليس سهلاً على العربي الذي ما زال يتغنى بديوان اللغة المقدسة، لسان العرب، المعلقات على جدار الكعبة، وألفية ابن مالك، أن يصدق بأن زمان النحو والإعراب قد ولىّ، وأن قيسا -اليوم- يحتاج جواز سفر وتأشيرة مرور بين القبائل، كي يزور ليلى.. ليس سهلاً على العربي الذي زار جده، القدس، قادماً من بغداد عبر دمشق، بعد رحلة الحج إلى الحجاز مسافراً على الجمال، أن يصدق بأن حاجزاً لعسكر من الغرباء بين شرق حلب وغربها سيرديه قتيلاً، إن حاول العبور دون إذن من بندقية مستوردة.
وفي غمرة كل هذه التساؤلات والتأملات العقيمة، تضيق بالعربي خيارات الحياة، فبينما ينشد المواطن في بلادي التغيير، والارتقاء صوب الدول المتقدمة، يسعى الحاكم جاهداً لحصاره بعبودية الماضي، فيشدّه نحو كتب التراث والتاريخ الملوث بالخطيئة؛ وكأنه لا مفر لنا من حرب داحس والغبراء، وإرث البسوس الملطخ بعار الدم بين أبناء العمومة.
آه، كيف لنا أن نغدو يوماً ما أردنا، أن نكسر أصنام العصور الغابرة، أن نشدو كما السنونوات بلا قيد يحاصر ريشنا، أن نغرد كالبلابل بعيداً عن صخب السلاسل! آه، كيف لنا أن نرتّب صباحاتنا دون إذن من الجنرال، أن نترجم آلامنا شعراً دون أن نسبّح بحمد العسكر، أن نرسم شمساً للمستقبل دون أن يخمدها السلطان. آه، كيف لنا بعد اليوم أن نحلم، وقد صار الحلم جرما!