شعار قسم مدونات

ينتهي القلق عندما يبدأ الأمل

blogs شموع

أخرج رأسك قليلا من محيطك الضيق لتطلُّ على هذا العالم الفسيح المترامي، ماذا سترى؟ التَفِت لتلفازك اضغط على زر التشغيل، ماذا ستشاهد؟ جالس أهلك أصدقاءك واستمع لكل من حولك، ماذا ستسمع؟

طبعا كلها ستحصرك في زاوية الفوضى واليأس؛ هذا العالم يتخبط في فوضى التحضر والتخلف ويتسارع مسابقا الزمن للخروج منها ليغرق في فوضى أخرى، تلفازك لن يعرض لك سوى مشاهد التقتيل والتشريد التي تبثها نشرات الأخبار وتجسدها دراما الواقع وأغاني الشجن وبرامج الدين التي تنهى عن التطرف والفتن أو التي تُؤجج للفتن والثورة، عائلتك تشتكي متاعب الحياة، تسارعها، زحمتها والضجر منها أحيانا، كل المؤشرات تنذر بفوضى عارمة تهدد كيانك، هكذا نعتقد طبعا أن الفوضى تبعت على عدم الاستقرار.

ترخي رأسك كل ليلة على وسادتك تتزاحم الذكريات تسترجع حيثيات يومك التي تضجر منها فقد كان يوما شاقا مليئا بالصخب، يسرقك النوم فجأة لعلك تحلم بشيء جميل ينسيك همومك يريحك من الفوضى التي تلازمك دائما فلعلنا نكسر كل القيود في أحلامنا نؤسس قوانين لا تعرف خطوط حمراء لا دستور يحكمنا ولا سلطة قهرية تمارس عبثها.

هكذا هي حياتنا عندما نربطها بالماديات نعيش في قلق دائم ما نأتي لنفرح حتى يتعكر مزاجنا بخبر سيء، لقد أفرغنها من القيمة الروحية الإيمانية والقيم الإنسانية التي تجعلها تنضح بالمحبة والسرور

تستيقظ من نومك العميق لتستقبل يومك الجديد وأنت لا زلت تحت مخدر الأمس مخدر مصدره متاعب يبدوا أنها لا تنتهي بل تُفرخ كل يوم مولدا جديدا من نفس جنسها بل أشد بأسا منها، تغسل وجهك الشاحب فيتوهج بنور الصباح وأمل يراودك ويداعب قلبك قائلا لا تبالي فهذه الحياة مليئة بالتناقضات فيوما عليك ويوما لك فيكمل الأمل قائلا اجعلني سيدي نبضك الذي لا يتوقف فستجني كل خير ويكون اليوم لك لا عليك، فيتبسم المسكين ويحتسي قهوته بلهفة وتغمره فرحة وهو يدندن اليوم أحسن اليوم أفضل، ينصرف بعدما قبَّل رأس أمه.

تنزل لشوارع المدينة فأنت لا ترى أمامك إلا مشاهد مبتذلة، زحمة السَّير التي لا تنتهي وتعاني من عذابها دائما في صمت فلا سبيل لك سوى أن تتحملها بل يبدوا أنها مصيرك المحتوم فقد أصبحت جزءا من يومياتك المتراكمة، سيارة الأجرة التي تستقلها تجمعك بأشخاص يتقاطعون معك نفس الهموم في طريقكم قد تناقشون مسألة الثورات العربية واللاجئين فقد تختلفون في تقييم الأحداث ولكن تتفقون جميعا في أن الوضع مزريا ولا يحتمل أكثر من ذلك، بينما أنتم تتحدثون يقاطعكم أحدهم بخبر من إحدى الصحف حول ارتفاع سعر البنزين فيتأفف الجميع مدركاً أثر هذا الارتفاع على باقي المنتجات بعدما كنتم تتحدثون عن أزمة اللاجئين تدركون الآن أنكم ستصبحون مثلهم ربما الفرق أنكم لاجئين في أوطانكم، تتوقف السيارة فينزل الجميع كل متوجه لوجهة هو موليها وأنت في طريقك تخاطب الأمل ها قد جعلتك نبضي لنهار اليوم فما أنت فاعل بهذه الأخبار المستفزة.

تدخل مكتبك لتبدأ عملك الروتيني كالعادة فيطرق زميلك الباب مبشراً قائلا: لقد سمعت عن زيادة في أجورنا، فأنت لا تعير الخبر اهتماما وأنت الذي كنت قبل فترة تنتظر هذا الخبر بحرقة، فتقدم له الجريدة وخبر ارتفاع أسعار البنزين يتصدر الأخبار. هكذا هي حياتنا عندما نربطها بالماديات نعيش في قلق دائم ما نأتي لنفرح حتى يتعكر مزاجنا بخبر سيء، لقد أفرغنها من القيمة الروحية الإيمانية والقيم الإنسانية التي تجعلها تنضح بالمحبة والسرور.

ينصرف صديقك ليتركك في حيرتك ويأسك المعتادان بينما أنت جالس تفكر فتتذكر فجأة قول الله تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ‏" الطلاق الآية (2-3)، إن من يتمعن ويتأمل في هذه الآية يدرك جيدا أن العبد المؤمن بقدرة ربه عز وجل وتصريفه للأمور كلها كفيل بأن يضمن له رزقه ويحفظه، ما عليك أيها العبد إلا أن توحد الله وأن تفوض أمرك كله له جلا في علاه، ليس عليك حل مشاكل هذا العالم أو إدارته فأنت أعجز من ذلك بكثير بل يجب عليك فقط أن تدرك حكمة الله في خلقه وأن تتعايش مع واقعك على هذا الأساس، ما يجب علينا هو أن نأخذ بالأسباب ونتوكل على الله سبحانه وتعالى.

ما إن ينتهي يومك وتعود لوسادتك في خاتمة كل يوم لترخي رأسك المثقل بهمومك فيعود الأمل يداعب قلبك، ألم أقل لك اجعلني نبض حياتك فستنجو وتكسب يومك لك لا عليك وتتخلص من القلق إلى الأبد

ينتهي دوامك حان الوقت لتنصرف للبيت وأنت في طريق العودة تلتقي صديقك بوجه بشوش تعلوه فرحة، فيتساءل في حيرة: ما تركتك هكذا في بداية الدوام؟ هل انخفضت الأسعار وتضاعفت الأجور أكثر؟ فترد قائلا: لا كل شيء بقي على حاله بل إنه الأمل يا صديقي هو من غيرني، فيبتسم صاحبك بسخرية متسائلا، وماذا صنع لك الأمل؟ هل عوض لك خسارتك أم أنه يقدم لك نفقات خاصة؟ فترد قائلا: لا ليس كما تعتقد إن الأمل مصدر رباني يرتكز على تقوى الله عز وجل وقوة الإيمان بقدرته وَحِّد الله يا صديقي فستفرج بإذن الله تعالى.

ما إن ينتهي يومك وتعود لوسادتك في خاتمة كل يوم لترخي رأسك المثقل بهمومك فيعود الأمل يداعب قلبك، ألم أقل لك اجعلني نبض حياتك فستنجو وتكسب يومك لك لا عليك وتتخلص من القلق إلى الأبد إنني يا عزيزي إلهام رباني علامة فارقة في تقوى الله عز وجل صورة من صور الإيمان العديدة بل أعظمها، تمسك بحبل الله ولا تبالي، نَمْ يا صغيري فغداً يحمل معه الجديد والله فوق عباده سميع رقيب. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.