تخيّل أن يأتي يومًا وتصبح سببًا في الضرر للموجودين من حولك. تخيّل أن ذلك قد يحدث بصورة يومية، دون أن تلقي له بالًا، بل أنت لا تعرف ذلك حتى الآن. تخيّل أن كل ذلك بسبب كلمة واحدة صدرت عنك دون قصد. في عالم اليوم، تمثل الكلمة سلاح قاتل جدًا، يقتل في الآلاف كل يوم، وهي حالات نراها جميعًا ونعاصرها، ولا بد أنك تعرف بعض الأشخاص الذين وقعوا ضحية لها، إن لم تكن أنت بذاتك ضحية. بل توجد حالات من الانتحار كان السبب الرئيسي فيها هو كلمة قيلت دون تعمد، لم يهتم صاحبها بالأثر الذي سوف تؤدي إليه كلمته.
للأسف كل ما أراه يوميًا هو أن الناس لا تهتم بما تقول، ولا كيف يمكن لكلماتهم أن تؤذي الآخرين. يقولونها ربما للسخرية من غيرهم، أو حتى لأنهم اعتادوا على التعليق، والتدخل في شئون الآخرين. والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا: فتاة تزوجت منذ فترة ولم تحمل بعد، يحدثها الناس في كل وقتٍ عن إن كان هناك شيء في الطريق أو لا، في الإشارة إلى الحمل. تتلقى الوجع في صمت، وتجيبهم لا. في وقتٍ تحتاج لمن يخبرها أن هذا التأخير طبيعي، فلا أحد يشعر بالقلق حقًا سواها، وهي التي بالتأكيد تنتظر طفلها الأول كمن ينتظر دخوله الجنة.
شخص يحاول إنجاز شيء معين، يخبره أهله أنه فاشل ولن يتمكن من تحقيق ما يريد، يتلقى كلماتهم كسكّين يقتل حلمه دون رحمة، في الوقت الذي يحتاج إلى التشجيع ممن حوله ليصل إلى النجاح الحقيقي.
فتاة لم تتزوج بعد، يظل الناس كلما رأوها يردّدون على مسامعها الكلام التقليدي المعتاد، ويحاولون أن يجعلوها تشعر أن المشكلة بها، سواءً بسبب الشكل، أو حتى لأن كل ذنبها أنها تبحث عمّا يرضيها، وكأنها ارتكبت جريمة لا تغتفر |
رجل يبحث عن وظيفة في ظروفنا الحالية، ويظل من حوله يردّدون على مسامعه أنه ما زال عاطلًا، ويمثل عبأً على أهله. فيحمل فوق همه همًا. وقد تكون النتيجة أن يلجأ إلى وسائل غير مشروعة لتحقيق الدخل، أو حتى يقبل إهانة من حوله عندما يعمل، حتى لا يتعرض لخسارة وظيفته ويعود مرةً أخرى لما كان عليه.
شخص بوزن زائد، يسعى إلى التقليل منه، ويعاني جدًا. يسخر الناس من شكله، أو يتساءلون في تعجب كيف يجد ما يناسبه من الملابس، أو كلما أراد أن يأكل يُنتقد بشكلٍ مؤذي. لا أتحدث هنا عن النصيحة الطبية بالطبع. وتكون النتيجة أن يغضب من ذاته أكثر، وتفشل أي محاولة مستقبلية. في حين أنه يحتاج لمساعدة حقيقية ليخفف من وزنه، تجنبًا للأثر السيء طبيًا.
فتاة لم تتزوج بعد، يظل الناس كلما رأوها يردّدون على مسامعها الكلام التقليدي المعتاد، ويحاولون أن يجعلوها تشعر أن المشكلة بها، سواءً بسبب الشكل، أو حتى لأن كل ذنبها أنها تبحث عمّا يرضيها، وكأنها ارتكبت جريمة لا تغتفر. في الوقت الذي قد تشعر هي أحيانًا بنقصان الثقة في ذاتها، وتحتاج إلى من يشجعها على تقبل ذاتها كما هي، فالشكل من الأشياء التي لا دخل لنا بها، بل هي من الله عز وجل. وتكون النتيجة أحيانًا ألّا تحمد الله على ما أعطاها، بل تشعر بنقص في الرضا، ولا تتمكن من التعامل مع الناس من حولها.
كل ما كتبته بالأعلى، على سبيل المثال، لا الحصر. فالأمثلة متجددة في واقعنا، والنتيجة تكون قتل الشخص، قتل روحه في كثير من الأحيان، وهو أخطر من إنهاء حياته لو تعلمون. في حين أن بالكلمة، يمكن أن نساعد الشخص حقًا على الشعور بأن كل شيء على ما يرام وأن الخير سوف يأتي إليه.
في حديثٍ له يقول رسولنا الكريم: "إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة. وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم".
يا صديقي.. كلماتك قاتلة أحيانًا، وذنبها يمكنك أن تحيا به طوال حياتك، تحيا محاولًا التخفيف عنه. لذلك راقب ما تقوله للآخرين جيدًا، إياك أن تستخف بما يمكن لكلمتك أن تصنعه في غيرك |
لا يلقي لها بالًا، أي يقولها دون قصد، فتكون سببًا في أن يرتفع بها درجات في الجنة، أو يهوي بها في جهنم. للدليل على أهمية الكلمة، والأثر القاتل الذي تصنعه في الآخرين. وأنه ببساطة لا يوجد شيء يسمّى أنني لم أكن أقصد، لأنك يجب أن تكون رقيبًا على كلماتك التي تخرج منك، وألّا تترك نفسك لتقول أشياءً تصنع أوجاعًا لغيرك بها.
بل إن رسولنا الكريم يوصّف لنا أثر الكلمة الطيبة فيقول: "الكلمة الطيبة صدقة."، فعلى الرغم من البساطة المتمثلة في الكلمات، لكنه يخبرنا -صلى الله عليه وسلم- أنها صدقة، يؤجرنا عليها الله مثل بقيّة الصدقات.
يا صديقي.. كلماتك قاتلة أحيانًا، وذنبها يمكنك أن تحيا به طوال حياتك، تحيا محاولًا التخفيف عنه. لذلك راقب ما تقوله للآخرين جيدًا، إياك أن تستخف بما يمكن لكلمتك أن تصنعه في غيرك، وأنصحك أن تلتزم بحديث رسولنا الكريم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت."، فإما أن يكون في كلماتك خير للآخرين، أو يكون الصمت هو خيارك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.