كل هذا جعل الأنظمة السلطوية ترى في المثقف الحر
والنزيه والمحايد خطرا عليها وعلى استمراريتها، وهنا يقول غوبلز وزير الإعلام الالماني في الحبقة النازية "عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي". هذا الخوف دفع العديد من الأنظمة الهشة (systèmes fragiles) إلى التوجس من ثقافة الحقيقة وانتشارها، مما أدى إلى محاولة تدجين واستمالة بعض "المثقفين" واستقطابهم إلى "معسكر البلاط" أو ما يصطلح عليه "بمثقفي السلطة"، ومن هنا فالسلطويات العربية لا تترد في استخدام "المثقف المأجور" لتبرير أعمالها وإضفاء الشرعية على سياساتها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتزييف الحقيقة وتلميع صورة سلطة سياسية معينة، مما ينتج عنه تضليل للوعي الاجتماعي وتأسيس لواقع غير صحيح.المثقف الحقيقي هو الذي ينغمس في هموم شعبه ويعبر عن تطلعاته وآماله في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، وهو الذي يحمل رسالة نبيلة ومسؤولية تنويرية تقوم على الدور الاجتماعي الذي يلعبه لصالح القطاعات العريضة في المجتمع. |
فكم من المثقفين المحسوبين على تيارات تقدمية وديمقراطية تنادي في مقرراتها بشعارات مؤيدة لحقوق الإنسان والديمقراطية، إلا أنها تبدي تأييدا مطلقا لنظام بشار الأسد الدموي، وكأنه يوزع الورود والحلوى على المدنيين المساكين ولا يقصفهم بالبراميل المتفجرة والأسلحة الثقيلة، كل هذا الدعم المقدم لبشار يتم بداعي طابع "الممانعة" ومناهضة "الإمبريالية".
وإن كانت مسؤولية المثقف تتجلى في التحليل والنقد والبحث لإيجاد حلول مناسبة وفعالة للمشاكل المرتبطة بالمجتمعات والتحديات التي تواجهها، فإن "المثقف المأجور" يعمل على إرضاء الاستبداد وخدمته والحفاظ على شرعيته، مهما بلغت المظالم والانتهاكات، فدوره الرئيسي والأساسي يقتصر على تبرير السلطوية وإضفاء المشروعية الأخلاقية والمجتمعية على ظلمها وإخفاقاتها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
المثقف الحقيقي هو الذي ينغمس في هموم شعبه ويعبر عن تطلعاته وآماله في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، وهو الذي يحمل رسالة نبيلة ومسؤولية تنويرية تقوم على الدور الاجتماعي الذي يلعبه من خلال العمل لصالح القطاعات العريضة في المجتمع، ودعم الدمقرطة وثقافة الحرية والحياد والحقيقة. ويقول في هذا الصدد المفكر الشهير إدوارد سعيد مؤلف كتاب خيانة المثقف "على المثقف أن يتحمل تمثيل الحقيقة بأقصى ما يستطيع من طاقة على السماح لراعي أو سلطة بتوجيهه".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.