شعار قسم مدونات

برامج رمضان الدرامية.. تحت الأرض

blogs تلفزيون
كثيرا ما يقوم البعض بأعمال فنية ليثبتوا أن لهم باعاً طويلاً في الفن والإبداع وعلو كعب في الصراع، فيأتينا عملهم ممسوخاً مشروخاً لا نكهة فيه ولا إمتاع بل على العكس فهو للوقت ضياع ولعقل المشاهد صراع بين سطحية الفكرة والبعد عن الإقناع وغرابة الإيقاع، وكأن نجوم السماء قد سقطت على القاع.

تلك كانت حال المسلسلات الدرامية والبرامج الرمضانية لهذه السنة على محطات إم بي سي الأشهر والأكثر انتشارا ومتابعة في العالم العربي، حيث قدمت برامج لا ترقى إلى أبسط معايير الأعمال الفنية من حيث الموضوع والمضمون، برامج تم صرف عشرات الملايين عليها دون هدف سوى التسلية والتي لم تحقق ذلك الهدف المأمول رغم وصول أعداد متابعيها إلى أرقام قياسية، وذلك ليس بمقياس لجودة العمل إنما بسبب عدم وجود البديل.

ولعل أسوأ تلك البرامج وأكثرها استفزازا للمشاهد هو برنامج رامز تحت الأرض، ولا أدرك كيف يمكن لشخص بهذه النفسية المترفة والصفاقة التي لا مثيل لها في أي برنامج في العالم أن يفعل ما يحلو له ويقول بحق ضيوفه ما يشاء دون حسيب أو رقيب! وهو ما يؤكده بعظمة لسانه في أغنية شارة البرنامج بأنه يفعل بضيوفه ما يشاء حتى لو تلقى منهم بعد المقلب بعض اللكمات والركلات والشتيمة فهو لا يبالي طالما أنه يقبض مبالغ طائلة ثمن تلك الإهانات وأن هناك محطات كبيرة تتبنى تلك التفاهات، يشتري ويبيع خوف ومعاناة نجوم فن ورياضة بحفنة من الدولارات والتي تبين فيما بعد بأنها تمثيل مفبرك وفج بين رامز وضيوفه المترفين.

الأعمال الدرامية جاءت باهتة ضعيفة بمواضيع سطحية كانت حكايا جدتي فيما مضى أكثر إثارة وامتاعاً منها، وبدا كتاب تلك الأعمال وكأنهم يمارسون الكتابة لأول مرة بحياتهم.

وكذلك هو الحال بالنسبة للمسلسلات التي افتقدت للحبكة الدرامية مثلما افتقدت كل مقومات العمل الفني من الموضوع إلى الحبكة إلى الهدف الذي تريد إيصاله للمشاهد وكأنها انعكاس للواقع المزري الذي تعيشه البلاد العربية في هذه المرحلة العصيبة، فجاءت الدراما العربية والبرامج المحضرة خصيصا لهذا الشهر الكريم أكثر انحطاطا وأقل مستوى على مر التاريخ، لقد تاهت الدراما في تشخيص واقع بائس وفشلت في محاولة إعطاء تفسير ولو كان بالتلميح لما يحدث على الساحة العربية من تخبط واقتتال وتناحر، فلم يجد البعض سوى استحضار الجن لحل مشاكله وكأن كل الحلول البشرية باتت مستعصية على كسر جشع الناس وجبروتهم واستغلال نفوذهم لقهر البسطاء والتضييق عليهم..

 أضف إلى المبالغة المستهترة في إعطاء جوانب إيجابية خارقة للبطل الذي فشل في كل مناحي حياته رغم إيجابيته، وكأن العمل يوحي للمشاهد بأن كل الصفات الجميلة التي يجمع عليها البشر باتت لا تنفع في هذا الزمن ليزيد في إحباط الشباب المتحفز وإبعاده عن إيجاد حلول واقعية ليبحث عن حل مشاكله باستحضار الجن والجنوح للخيال بدل البحث عن سبب انكساراته ومعالجتها.

 إلى مسلسل آخر يجتر نفسه منذ تسعة مواسم ويعيد نفس الهراء الذي أصبح فجا مملا ومترهلا ولم يعد هناك ما يكفي من العبارات الشامية الجديدة فأصبح يكرر نفس العبارات التي باتت مصدر غثيان واستنكار من أهل تلك البيئة الأصيلة، ذلك العمل الذي جعل من الحلاق والحداد والخضري -مع شديد الاحترام لكل مهنة شريفة- هم أعيان الشام مغفلاُ عن سابق إصرار وترصد أعلام الفكر والسياسة من رجال ونساء ممن حملوا لواء النضال الفكري والوطني بكل جدارة.

 إلى عمل درامي يوثق جرائم داعش بشكل مباشر وبحوار سخيف وتافه لم يوفق في طرح أية رؤية حقيقية من تشكلهم إلى إظهار داعميهم وتوثيق مصادر سلاحهم وقوتهم ومن يقف وراءهم، وكأننا نتابع ما يبث على نشرات الأخبار دون حبكة درامية فبدا تائها حائرا متخبطا احترنا في فهم ما هي الرسالة التي يريد المسلسل إيصالها، ولولا الحديث الشريف للرسول الكريم في بداية شارة المسلسل لظن الكثيرون بأن هذا العمل من إنتاج آلة داعش الإعلامية.

إضافة لعدد من الأعمال الدرامية التي جاءت باهتة ضعيفة بمواضيع سطحية كانت حكايا جدتي فيما مضى أكثر إثارة وامتاعاً منها، وبدا كتاب تلك الأعمال وكأنهم يمارسون الكتابة لأول مرة بحياتهم. قديما قال أحد الشعراء الكبار لأحد الذين يكتبون الشعر دون إجادة: لو كان الشِعر شَعراُ لنتفت من تحت إبطي ونثرت على الملأ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.